تشهد الأسواق المغربية ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار البنزين، مما دفع العديد من أصحاب السيارات، وخصوصًا في المناطق النائية والريفية، إلى البحث عن بدائل أقل تكلفة لتشغيل مركباتهم. وقد أصبح استخدام قارورات الغاز—المعروفة محليًا باسم "البوطة"—حلاً مغريًا لتقليل المصاريف التشغيلية، رغم المخاطر المحتملة. وتشير التقارير إلى أن هذه الطريقة تُعد بمثابة مهرب اقتصادي في ظل الضغوط المتزايدة على ميزانيات الأسر.
تعتمد عملية التحويل على تركيب جهاز يُعرف بـ "Pressure Regulator and Vaporiser" على نظام السيارة؛ يعمل هذا الجهاز على تعديل درجة حرارة الغاز وتحويله من حالته الغازية إلى سائلة لتناسب احتياجات الاحتراق داخل المحرك. وبحسب بعض الخبراء المحليين، فإن إجراء هذه التعديلات لا يتطلب خبرة تقنية عالية، إذ تُجرى العملية خلال ساعة عمل تقريبًا بتكلفة لا تتجاوز 2000 درهم. وقد كانت هذه الأجهزة تُستورد سابقًا من إيطاليا أو تركيا، ويتداول بعضها عبر منصات التجارة الإلكترونية بأسعار متفاوتة.
على الرغم من المزايا الاقتصادية التي قد يقدمها استخدام الغاز بدلاً من البنزين، فإن المخاطر الأمنية ترتفع بشكل كبير. تُعتبر قارورات الغاز، في حال تسربها أو تعرضها لضغط مفرط، بمثابة "قنابل موقوتة" يمكن أن تنفجر فجأة، مما يعرض حياة المواطنين للخطر. إضافة إلى ذلك، تبرز بعض الممارسات الخطرة لدى أصحاب هذه المركبات، مثل تحميل أعداد كبيرة من الركاب أو البضائع على مركبات معدلة دون الالتزام بمعايير السلامة الدولية، وهو ما قد يؤدي إلى وقوع حوادث مرورية مروعة.
استجابة لهذه الظاهرة الخطيرة، أطلقت السلطات حملات أمنية مكثفة في عدة ولايات، خاصةً في مناطق مثل أكادير والعيون. فقد أدت هذه الحملات، التي بدأت منذ عام 2017، إلى ضبط مئات المركبات المخالفة وتقديم أصحابها للمساءلة القانونية بموجب مساطر قضائية صارمة. وتأتي هذه الإجراءات في إطار جهود الدولة لتنفيذ استراتيجية وطنية للسلامة الطرقية وضمان احترام المواصفات الفنية الخاصة بمصادر الطاقة المستخدمة في المركبات.
تُفيد تقارير بأن السلطات تبذل جهودًا مضنية لمراقبة الطرق وضبط من يستخدمون قارورات الغاز كبديل للبنزين، معتبرةً ذلك إجراءً ضروريًا لحماية حياة المواطنين.
على الرغم من حملات الرقابة الأمنية، يبقى الجانب القانوني لهذه الظاهرة غير مؤطر بشكل كامل. إذ أن القوانين الحالية لم تُحدث تعديلات كافية لمواجهة التعديلات الفنية التي تُجرى على المركبات، ما يجعل من السهل على البعض التهرب من العقوبات أو الحصول على أحكام مخففة. وقد أشارت تقارير من عدة جهات إلى أن العقوبات المقررة تتراوح بين غرامات مالية معتدلة إلى إجراءات توقيفية مؤقتة دون الوصول إلى تجريم كامل للفعل، مما يثير تساؤلات حول جدية الإطار القانوني في مواجهة المخاطر المتزايدة.
كما أوضحت تقارير من موقع هسبريس أن الإجراءات القضائية المطبقة حتى الآن تقتصر في معظم الأحيان على غرامات مالية بسيطة دون إحداث رادع كافٍ.
تتنوع ردود فعل المواطنين تجاه استخدام قارورات الغاز؛ فمنهم من يرونها وسيلة ضرورية لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود، بينما يحذر آخرون من المخاطر المحتملة التي قد تؤدي إلى حوادث مميتة. وترددت آراء عدة مواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يشدد البعض على ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية للسلامة وتحديث القوانين لمواجهة هذه الظاهرة، في حين يعبر آخرون عن استيائهم من ارتفاع أسعار الوقود الذي يدفعهم للجوء إلى حلول خطرة.
يواجه المغرب تحديات كبيرة في موازنة بين الحاجة الملحة لتخفيف الأعباء الاقتصادية على المواطنين وبين الحفاظ على سلامتهم العامة. وفي ظل استمرار ارتفاع أسعار الوقود، تبرز الحاجة إلى البحث عن حلول بديلة آمنة ومستدامة، مثل تطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة واستخدام تقنيات حديثة لترخيص استخدام الغاز الطبيعي بطريقة منظمة تضمن سلامة المركبات والمستخدمين.
من جهة أخرى، يمكن للجهات المعنية تعزيز حملات التوعية الفنية حول مخاطر استخدام قارورات الغاز غير المعتمدة، كما يمكن التفكير في تشجيع شركات تحويل السيارات لتوفير أنظمة تشغيل بالغاز تكون مطابقة للمعايير الدولية ومعتمدة من السلطات المختصة.
تظل ظاهرة استخدام قارورات الغاز كبديل للبنزين في سيارات النقل بشمال وجنوب المغرب موضوعًا حساسًا يتطلب تدخلًا عاجلًا من قبل السلطات. فبينما يسعى البعض لتخفيف العبء الاقتصادي الناجم عن ارتفاع أسعار الوقود، يجب ألا يتم التضحية بسلامة الأرواح. ويأمل المجتمع في أن يتم تعزيز الرقابة وتحديث القوانين بما يتماشى مع التطورات التقنية والاقتصادية، لضمان أن تصبح طرق المغرب أكثر أمانًا واستقرارًا.
تعتبر هذه القضية نموذجًا لتداخل العوامل الاقتصادية والتقنية والقانونية، وتستدعي تعاونًا مشتركًا بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني للوصول إلى حلول مستدامة تخدم مصلحة المواطن وتضمن سلامته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق