انتقادات حادة للحكومة بعد تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد

اتهامات للحكومة بالتراخي في مواجهة الفساد.. ومطالب بإصلاحات جذرية

كشف التقرير السنوي الأخير لمنظمة الشفافية الدولية "ترانسبرنسي" عن تراجع جديد للمغرب في مؤشر إدراك الفساد، حيث انتقل من المرتبة 97 إلى 99 عالميًا من بين 180 دولة، مسجلاً معدل 37/100، وهو ما يعكس استمرار منحنى التراجع منذ عام 2018، حين حقق المغرب أفضل تصنيف له في هذا المؤشر باحتلاله المركز 73 بمعدل 43/100.

تراجع مستمر يثير القلق

يستخدم مؤشر إدراك الفساد مقياسًا من 0 إلى 100، حيث يمثل الصفر أعلى درجات الفساد، بينما تعكس النقطة 100 النزاهة التامة. ومع تسجيل المغرب معدل 37/100، فقد تراجع بنقطة واحدة عن العام الماضي، ما يعكس استمرار تدهور الوضع رغم الإصلاحات المعلنة.

هذا التراجع يثير تساؤلات حول مدى فعالية جهود مكافحة الفساد، خاصة أن المملكة تمتلك مؤسسات دستورية تعنى بالحكامة، فضلاً عن إصلاحات على مستوى استقلالية القضاء والصلاحيات الممنوحة للمحاكم المالية. غير أن هذه الخطوات لم تنجح في تحصين الاقتصاد والسياسة من الظواهر السلبية المرتبطة بالفساد، والتي باتت تؤثر بشكل مباشر على معدلات التنمية والاستثمار.

انتقادات سياسية للحكومة

أثار التقرير ردود فعل قوية من شخصيات سياسية معارضة، إذ اعتبر محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن المغرب "سيستمر في التراجع على مستوى مؤشر إدراك الفساد"، مرجعًا ذلك إلى "غياب أي عمق سياسي وأي حس نضالي حقيقي لدى هذه الحكومة، التي لا تبالي بالقضايا المرتبطة بالديمقراطية ولا بتحسين الحكامة".

بدورها، أكدت مليكة الزخنيني، النائبة البرلمانية عن الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، أن التراجع المستمر يعكس "غياب رؤية لمحاصرة الظاهرة"، مشيرة إلى أن الأمر لم يعد مجرد حالات فردية، بل "سلوكات ممنهجة تدفع إلى الاعتقاد بوجود بنية تحمي الفساد وتشجعه". ودعت الزخنيني إلى نقاش موسع حول ربط الفساد بالإثراء غير المشروع، مؤكدة أن المغرب أمام فرصة لاستغلال التحول الرقمي كأداة لمحاصرة هذه الممارسات أو، على العكس، كوسيلة جديدة لتمكين الفاسدين.

أما عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث اتهم الحكومة بـ"التصالح مع الفساد"، مشيرًا إلى قيامها بسحب عدد من القوانين التي كانت ستساعد في مكافحته، من بينها مشروع القانون الجنائي الذي يتضمن مقتضيات لمكافحة الإثراء غير المشروع، ومشروع قانون احتلال الملك العام البحري، بالإضافة إلى قوانين أخرى متعلقة بالشفافية المالية والتغطية الصحية للوالدين.

تداخل المال والسياسة.. وتحذيرات من تداعيات خطيرة

يرى مراقبون أن تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد مرتبط بتزايد التداخل بين المال والقرار السياسي، وهو ما يجعل الجهود الإصلاحية تصطدم بمصالح جماعات ضغط قوية. واعتبرت مليكة الزخنيني أن هذا التداخل أصبح "يؤسس للحق في الفساد"، حيث يتم تطويع القوانين لخدمة فئات معينة، ما ينسف أي مجهودات للدولة في الإصلاحات الكبرى، خاصة في مجالي الحماية الاجتماعية والاستثمار.

وحذرت الزخنيني من أن استمرار انتشار الفساد في هذه الأوراش الوطنية الكبرى قد يكلف المغرب "ثمنًا غاليًا"، داعية إلى اتخاذ "إجراءات استعجالية قد تكون أليمة ولكن ضرورية"، لضمان ربط المسؤولية بالمحاسبة، سواء عبر المكافأة على الأداء الجيد، أو المعاقبة عند اكتشاف اختلالات.

هل تستجيب الحكومة؟

في ظل هذه الانتقادات المتصاعدة، يظل السؤال المطروح هو: هل ستتحرك الحكومة لاتخاذ إجراءات فعلية لمحاربة الفساد، أم أن التراجع في التصنيفات العالمية سيستمر ليؤثر على ثقة المستثمرين والمواطنين في المؤسسات؟

الواقع أن المغرب يحتاج اليوم إلى استراتيجية أكثر صرامة لمحاربة الفساد، عبر تفعيل القوانين الرقابية، وتعزيز الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة أن أي تأخير في التصدي لهذه الآفة قد يؤدي إلى مزيد من التراجع، ليس فقط في المؤشرات الدولية، بل أيضًا في ثقة المجتمع المغربي بمؤسساته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق