المغرب يطلق تحقيقات تقنية وميدانية لكشف امتداد النفق السري بالقرب من سبتة

صورة تظهر مدخل النفق السري المكتشف في المنطقة الصناعية "تراخال" بسبتة، مع جدران ضيقة مدعومة بتعزيزات خشبية، حيث تعمل السلطات على كشف امتداده داخل الأراضي المغربية ضمن تحقيق أمني مكثف.
آثار النفق السري في سبتة


في تطور أمني لافت وغير مسبوق، بدأت السلطات المغربية تحقيقات تقنية وميدانية مكثفة لتحديد امتداد نفق سري تم اكتشافه مؤخرًا بالقرب من مدينة سبتة، الجيب الإسباني المطل على الساحل الشمالي للمغرب. 

هذا الاكتشاف، الذي أعلنت عنه الشرطة الإسبانية يوم الأربعاء الموافق 19 فبراير 2025، أثار موجة من التساؤلات حول طبيعة هذا النفق واستخداماته، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أنه كان يُستخدم كقناة لتهريب المخدرات، وبالأخص الحشيش، من الأراضي المغربية إلى سبتة، قبل نقله إلى البر الرئيسي الإسباني. 

النفق، الذي يمتد على عمق 12 مترًا تحت سطح الأرض وبطول لا يقل عن 50 مترًا داخل الأراضي الإسبانية، يُعد نموذجًا للبنى التحتية المتقنة التي تُظهر مدى التعقيد والتخطيط الذي يرافق عمليات التهريب عبر الحدود في هذه المنطقة الحساسة جغرافيًا وسياسيًا.

بدأت القصة عندما نفذت وحدات الحرس المدني الإسباني عملية تفتيش واسعة النطاق في المنطقة الصناعية "تراخال" بمدينة سبتة، وهي منطقة كانت تضم مستودعات مهجورة منذ سنوات، بما في ذلك مصنع رخام قديم أغلق أبوابه في عام 2020. 

خلال هذه العملية، التي جاءت ضمن تحقيق مستمر أطلق عليه اسم "عملية هاديس"، عثرت السلطات على فتحة مخفية في أرضية أحد المستودعات تؤدي إلى هذا النفق السري. 

النفق نفسه لم يكن مجرد حفرة عشوائية، بل كان مزودًا بإضاءة أساسية وتعزيزات خشبية تدعم جدرانه الضيقة، التي لا تتجاوز أبعادها 40 سنتيمترًا في العرض و60 سنتيمترًا في الارتفاع في بعض النقاط، مما يشير إلى أن بناءه استغرق وقتًا وجهدًا كبيرين، وربما تم تنفيذه باستخدام آلات بناء داخل المستودع لتجنب أي اشتباه خارجي.

على الجانب المغربي، لم يتم بعد تحديد المدخل الدقيق لهذا النفق، لكن السلطات المغربية بدأت تعبئة فرق متخصصة تشمل الدرك الملكي وخبراء تقنيين لتتبع مساره المحتمل. وفقًا لتقارير إعلامية إسبانية، يُعتقد أن النفق يمتد لمسافة قد تصل إلى 400 متر داخل الأراضي المغربية، ربما منطلقًا من منطقة صناعية أو مستودع مهجور في ضواحي مدينة الفنيدق، التي تقع على مقربة من الحدود مع سبتة. 

هذه الفرضية دفعت إلى استنفار أمني ملحوظ في المنطقة، حيث يعمل المحققون على استخدام تقنيات متطورة مثل السونار والمسح الجوي لتحديد النقطة التي قد يبدأ منها النفق أو ينتهي، وهي عملية تتطلب تنسيقًا دقيقًا بين الجانبين المغربي والإسباني، على الرغم من الحساسيات السياسية التي تحيط بالعلاقات بين البلدين فيما يتعلق بمسألة سبتة ومليلية.

النفق، بحسب ما أوردته صحيفة "إل موندو" الإسبانية، لم يكن مجرد ممر بسيط، بل كان يحتوي على شبكة من الممرات الفرعية التي تتفرع داخله، مما يزيد من تعقيد المهمة أمام السلطات لفهم مداه الكلي. 

وتشير مصادر قريبة من التحقيق إلى أن المهربين استغلوا أنابيب قديمة كانت تُستخدم في السابق لنقل المياه من ينابيع قريبة من مصنع الجعة القديم في سبتة، وقاموا بتوسيعها وتعديلها لتتناسب مع احتياجاتهم في نقل المخدرات بشكل سري. 

هذا الاكتشاف يُظهر مدى الإبداع والجرأة التي يتحلى بها مهربو المخدرات في مواجهة الجهود الأمنية المكثفة التي تبذلها السلطات على جانبي الحدود.

في سياق التحقيق الإسباني، يُعتبر هذا النفق جزءًا من شبكة أوسع لتهريب الحشيش التي كانت تعمل منذ سنوات، حيث كانت المخدرات تُنقل من المغرب عبر النفق إلى سبتة، ثم تُخزن في المستودعات قبل تحميلها على شاحنات مزودة بحجرات سرية لنقلها إلى البر الرئيسي الإسباني عبر الموانئ. 

وفي إطار هذه العملية، تمكنت السلطات الإسبانية منذ أواخر يناير الماضي من توقيف 14 شخصًا، بينهم اثنان من أعضاء الحرس المدني، ونائب في الجمعية المحلية لسبتة من حزب "MDyC" اليساري، بالإضافة إلى موظف في السجن. كما صادرت الشرطة أكثر من 6000 كيلوغرام من الحشيش مخبأة في ثلاث شاحنات، مما يكشف عن تورط شبكة منظمة قد تتضمن عناصر فاسدة داخل الأجهزة الأمنية.

من الناحية الجغرافية، تُعد سبتة نقطة عبور حيوية بين إفريقيا وأوروبا، حيث تشكل مع مليلية الحدود البرية الوحيدة بين القارتين. هذا الموقع الاستراتيجي جعلها هدفًا دائمًا لعمليات التهريب، سواء للمخدرات أو الهجرة غير النظامية. 

وعلى الرغم من الجهود المشتركة بين المغرب وإسبانيا للحد من هذه الأنشطة، إلا أن اكتشاف مثل هذا النفق يُظهر أن المهربين لا يزالون قادرين على إيجاد طرق جديدة ومبتكرة لتجاوز الحواجز الأمنية. في وقت سابق من هذا العام، افتتح البلدان مكاتب جمركية في سبتة ومليلية لتسهيل حركة البضائع، لكن هذا الاكتشاف يُثير مخاوف من أن هذه الخطوة قد تُستغل أيضًا من قبل الشبكات الإجرامية إذا لم تُرافقها إجراءات رقابة صارمة.

التحقيقات المغربية، التي انطلقت فور الإعلان عن الاكتشاف، تتركز حاليًا على تحديد الجهات المتورطة في حفر النفق وتشغيله، مع ترجيحات بأن يكون قد استُخدم لأغراض أخرى غير تهريب المخدرات، مثل نقل البضائع الممنوعة أو حتى الأشخاص. ومع استمرار التعاون بين السلطات المغربية والإسبانية، يبقى هذا الحدث بمثابة تذكير بالتحديات الأمنية المعقدة التي تواجه المنطقة، والتي تتطلب استراتيجيات مبتكرة لمواجهة شبكات الجريمة المنظمة التي لا تتوقف عن تطوير أساليبها.

يُعد هذا النفق السري دليلاً جديدًا على أن الحرب ضد التهريب عبر الحدود لا تزال بعيدة عن الحسم، وأن الجهود المشتركة بين البلدين ستظل حاسمة لكبح جماح هذه الظاهرة التي تهدد أمن المنطقة بأكملها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق