في تطور مفاجئ أنهى مسيرة استمرت لأكثر من ربع قرن، أعلنت شركة "اتصالات المغرب" اليوم، 25 فبراير 2025، إنهاء مهام عبد السلام أحيزون كرئيس ومدير عام للشركة، ليُسدل الستار على حقبة طويلة شهدت إنجازات كبيرة وتحديات أكبر.
جاء هذا القرار على خلفية اجتماع لمجلس الرقابة الذي عُقد في الدار البيضاء، حيث تم الإعلان عن تعيين محمد بنشعبون، شخصية بارزة في المشهد الاقتصادي المغربي، خلفًا له في رئاسة مجلس الإدارة الجماعية لمدة سنتين، بهدف واضح يتمثل في إعادة هيكلة الشركة واستعادة مكانتها الريادية في سوق الاتصالات المغربي والإفريقي.
كان عبد السلام أحيزون، الذي تولى قيادة "اتصالات المغرب" منذ فبراير 2001 كرئيس لمجلس الإدارة بعد أن شغل منصب المدير العام بين 1998 و2000، قد أشرف على تحول الشركة من مؤسسة عمومية تابعة لـ"المكتب الوطني للبريد والاتصالات" إلى واحدة من أبرز الشركات الخاصة في القطاع.
لكن هذه السنوات الطويلة لم تكن خالية من العثرات، فقد واجهت الشركة في الفترة الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في أدائها، حيث خسرت حصة كبيرة من السوق لصالح منافسين مثل "إنوي" و"أورانج"، وهي الشركات التي نجحت في جذب العملاء بعروض أكثر تنافسية وخدمات مبتكرة.
لم يتوقف الأمر عند المنافسة التجارية، بل امتد إلى عقوبات مالية قاسية أثقلت كاهل الشركة، أبرزها غرامة بقيمة 3.3 مليار درهم فرضتها الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات في 2020، تلتها غرامة قياسية أخرى بلغت 6.4 مليار درهم (ما يعادل حوالي 640 مليون دولار) أصدرتها محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في 2024، بسبب ممارسات احتكارية وعرقلة دخول منافسين مثل "وانا" (إنوي) إلى السوق.
وراء هذا القرار، كشفت مصادر مطلعة أن الشركاء الإماراتيين في مجموعة "إي آند"، الذين يمتلكون 53% من أسهم "اتصالات المغرب"، لعبوا دورًا حاسمًا في الضغط من أجل إقالة أحيزون. هؤلاء الشركاء، الذين استثمروا بكثافة في الشركة منذ سنوات، بدأوا يفقدون الصبر إزاء الخسائر المتتالية والتراجع في الأداء، خاصة مع الغرامات الضخمة التي أثرت على الأرباح وسمعة الشركة.
لكن الإماراتيين ليسوا المساهمين الوحيدين في "اتصالات المغرب"، فالدولة المغربية تمتلك حصة قدرها 22% من رأس المال، إلى جانب مستثمرين فرنسيين وإسبان يمتلكون نسبًا أقل، مما يجعل القرار نتيجة توافق بين أطراف متعددة تشعر جميعها بالحاجة إلى تغيير جذري في القيادة.
لم يقتصر الجدل حول أحيزون على الأداء المؤسسي، بل طال شخصه أيضًا. راتبه الشهري، الذي تجاوز 200 مليون سنتيم، أثار استياءً واسعًا بين المغاربة، خاصة في وقت كانت فيه الشركة تكافح للحفاظ على مكانتها.
الكثيرون رأوا أن هذا المبلغ مبالغ فيه مقارنة بالنتائج التي تحققت في السنوات الأخيرة، مما جعل أحيزون هدفًا لانتقادات حادة في الأوساط الاقتصادية والشعبية على حد سواء. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الرجل ترك بصمة في تاريخ الشركة، فقد ساهم في توسيع نطاق عملياتها خارج المغرب، لتشمل دولًا إفريقية مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لكن هذه الإنجازات بدت وكأنها تلاشت أمام التحديات الأخيرة.
أما الرجل الذي سيتولى الآن قيادة "اتصالات المغرب"، محمد بنشعبون، فهو ليس وافدًا جديدًا على عالم الاقتصاد والإدارة. بنشعبون، الذي شغل منصب وزير الاقتصاد والمالية بين 2018 و2021، يتمتع بخبرة طويلة في القطاعين العام والخاص. كما أنه تولى سابقًا رئاسة الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات (ANRT)، وهي الجهة التي كانت طرفًا في فرض الغرامات على "اتصالات المغرب"، مما يمنحه فهمًا عميقًا للتحديات التي تواجه القطاع.
حاليًا، يشغل بنشعبون منصب مدير صندوق محمد السادس للاستثمار، وهو ما يعزز من مكانته كشخصية قادرة على الجمع بين الرؤية الاقتصادية والخبرة التنظيمية. مصادر مقربة من مجلس الرقابة أكدت أن اختياره جاء لقدرته المثبتة على إدارة الأزمات ووضع استراتيجيات طويلة الأمد، وهي المهمة التي تنتظره الآن لإنقاذ الشركة من مأزقها الحالي.
ردود الفعل على هذا التغيير جاءت متباينة. هناك من يرى في رحيل أحيزون نهاية مرحلة من "التخبط الإداري"، وفرصة لإعادة هيكلة الشركة وتجديد دمائها، بينما يعتقد آخرون أن خبرته الطويلة كانت أصلًا ثمينًا لن يكون من السهل تعويضه.
المحللون الاقتصاديون، من جانبهم، يتوقعون أن تشهد "اتصالات المغرب" تحولات كبيرة في الفترة المقبلة، ربما مع تركيز أكبر على الاستثمار في تقنيات مثل شبكات الجيل الخامس (5G) والخدمات الرقمية، لمواكبة التطورات السريعة في السوق. لكن الجميع يتفق على أن الشركة تقف اليوم على مفترق طرق، وأن نجاح القيادة الجديدة سيعتمد على قدرتها على استعادة ثقة العملاء والمساهمين على حد سواء.
مع مغادرة عبد السلام أحيزون، يبقى السؤال المطروح: هل كان ضحية لظروف السوق القاسية، أم أن اختياراته الإدارية هي التي قادت "اتصالات المغرب" إلى هذا الوضع؟ ربما تحتاج الإجابة إلى وقت لتتضح، لكن ما هو مؤكد أن الشركة التي كانت يومًا رمزًا للنجاح الاقتصادي المغربي تواجه الآن تحديًا وجوديًا، ومستقبلها مرهون بما ستحمله الأيام المقبلة تحت قيادة محمد بنشعبون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق