![]() |
ليانغ وينفينغ مؤسس DeepSeek: من المبدعين الصينيين الذين يتحدون هيمنة الشركات الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي. |
في خطوة مثيرة وغير تقليدية في عالم الذكاء الاصطناعي، أثار ليانغ وينفينغ، مؤسس شركة "ديب سيك" (DeepSeek)، ضجة كبيرة في الأوساط التقنية في الصين والعالم، عندما صرح قائلاً: "أصبحنا مبدعين ولا نتبع الشركات الأميركية." هذه التصريحات تأتي في وقت حاسم، حيث تسعى الصين وبقوة إلى تعزيز مكانتها في سباق الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، مع التحديات الكبيرة التي يواجهها هذا القطاع مع الشركات الأميركية العملاقة مثل "غوغل"، و"مايكروسوفت"، و"إنفيديا".
من هو ليانغ وينفينغ؟
ليانغ وينفينغ هو مؤسس ومدير شركة "ديب سيك" الصينية، التي أصبحت واحدة من الشركات الرائدة في مجال تطوير حلول الذكاء الاصطناعي. قبل تأسيس "ديب سيك" في عام 2023، كان ليانغ يشرف على صندوق تحوط كمي في الصين، وهو ما أكسبه الخبرة والقدرة على فهم وتحليل البيانات بشكل استراتيجي. لكن ليانغ كان يرى أن هناك حاجة ماسة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بأسلوب مبتكر ومتطور يختلف عن الشركات الأميركية، وهو ما دفعه لتأسيس "ديب سيك".
"ديب سيك" تكسر الهيمنة الأميركية
شدد ليانغ على أن "ديب سيك" لا تسعى فقط لمجاراة الشركات الأميركية العملاقة، بل تسعى لتطوير تقنيات جديدة من خلال منهج مبتكر. في تصريحاته الأخيرة، أكد أن "عملاق الرقائق الذكية إنفيديا تمكنت من الوصول إلى موقعها الحالي ليس فقط من خلال الابتكار، بل بدعم المجتمع والحكومة الأميركية." ولكن ليانغ يرى أن "ديب سيك" يجب أن تكون مبدعة وأن تبتعد عن تقليد تلك الشركات.
ويبدو أن هذا النهج قد بدأ يؤتي ثماره بشكل ملحوظ. "ديب سيك" طورت نموذجًا مفتوح المصدر للذكاء الاصطناعي بتكلفة منخفضة، ما جعلها واحدة من أكثر الشركات إثارة في هذا المجال. يتمثل نجاح "ديب سيك" في تبني أسلوب جديد يعتمد على الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة. بينما تحتاج الشركات الأميركية مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" إلى ميزانيات ضخمة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، تقدم "ديب سيك" حلولًا فعّالة ومنخفضة التكلفة، مما جعلها محط أنظار السوق.
إطلاق DeepSeek-R1: خطوة جديدة نحو المستقبل
في يناير 2025، أطلقت "ديب سيك" نموذجها الجديد "ديب سيك-آر1" (DeepSeek-R1) الذي يحتوي على 671 مليار معلمة. يتميز هذا النموذج بتطويره باستخدام 2,048 وحدة معالجة رسومات H800، ما جعله يحقق تكاليفًا تصل إلى 5.6 مليون دولار فقط، مقارنة بمليارات الدولارات التي قد تحتاج إليها الشركات الأميركية لتطوير تقنيات مشابهة. يعد هذا الاختلاف في التكلفة استثمارًا حكيمًا في المستقبل ويضع "ديب سيك" في منافسة شرسة مع الشركات العالمية الكبرى.
التأثير العالمي والقلق الأميركي
بالرغم من الإعجاب الواسع الذي حظيت به "ديب سيك" في الصين، فإن انطلاقتها العالمية أثارت قلقًا كبيرًا في وول ستريت. فقد تراجعت أسواق الأسهم الأميركية بشكل حاد بعد أن أصبح تطبيق "ديب سيك" المساعد الذكي الأكثر تحميلًا في متجر التطبيقات الأميركي. هذا التحول المفاجئ أثار مخاوف من أن تكون الشركات الصينية قادرة على تجاوز الشركات الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي. وكان من أبرز التأثيرات المباشرة على السوق خسائر تجاوزت تريليون دولار في القيمة السوقية لشركات التكنولوجيا الأميركية.
دور الحكومة الصينية في دعم الابتكار
أصبح ليانغ وينفينغ أحد أبرز الأسماء في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين، وهو ما جعله يحظى باهتمام الحكومة الصينية. في وقت لاحق من عام 2025، تم دعوته للمشاركة في اجتماع مع رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، حيث تم مناقشة أهمية تقدم التكنولوجيا في الصين. تمثل هذه الدعوة دعمًا حكوميًا قويًا لشركات التكنولوجيا الصينية، ما يعكس رغبة الحكومة في تعزيز الابتكار في هذا المجال الاستراتيجي.
على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته "ديب سيك"، فإن الطريق لا يزال طويلًا أمامها. يواجه القطاع تحديات كبيرة تتعلق بالأمن السيبراني، بالإضافة إلى المنافسة الشرسة من الشركات العالمية. ولكن مع استمرارية الابتكار والقدرة على التغلب على القيود المالية، فإن "ديب سيك" قد تشكل تهديدًا حقيقيًا للشركات الأميركية في المستقبل.
تعتبر "ديب سيك" نموذجًا مميزًا لما يمكن أن تحققه الابتكارات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي. ففي وقت تتسابق فيه الشركات الأميركية الكبرى لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، بدأت الصين تسجل حضورًا قويًا من خلال شركات مثل "ديب سيك"، التي أثبتت أن هناك إمكانيات كبيرة للنمو بعيدًا عن الهيمنة الغربية. يبقى أن نرى كيف ستتطور الأمور في السنوات القادمة، ولكن من المؤكد أن "ديب سيك" ستكون من الشركات التي ستساهم في رسم معالم مستقبل الذكاء الاصطناعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق