
أعلنت المندوبية السامية للتخطيط أن معدل التضخم في المغرب قفز إلى 2.6% خلال فبراير 2025، مسجلاً أعلى مستوى له منذ أكثر من عام، وذلك بعد أيام فقط من قرار بنك المغرب المفاجئ بخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى 2.25%. هذا التطور يثير تساؤلات حول أسباب الارتفاع ومدى قدرة السياسات النقدية الحالية على تحقيق التوازن بين دعم النمو الاقتصادي وكبح الضغوط التضخمية.
وفقاً لمذكرة إخبارية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، يعود هذا التسارع في التضخم إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.6%، حيث شهدت أسعار الفواكه زيادة بنسبة 3.3%، والخضروات بنسبة 2.7%، إلى جانب ارتفاع طفيف في أسعار الأسماك ومنتجات الألبان بنسبة 1%.
في المقابل، انخفضت أسعار اللحوم بنسبة 0.7% والزيوت بنسبة 0.6%. أما المواد غير الغذائية فقد سجلت ارتفاعاً أقل بنسبة 1.2%، مع تباين واضح بين انخفاض أسعار النقل بنسبة 1.7% وارتفاع أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 3.7%.
جغرافياً، تصدرت مدن الدار البيضاء وفاس قائمة الارتفاعات بنسبة 0.6%، تلتها الرباط ومكناس والعيون وبني ملال بنسبة 0.5%، بينما سجلت مدن مثل كلميم انخفاضاً بنسبة 0.3%، ومراكش وسطات وآسفي بنسبة 0.2%.
يأتي هذا الارتفاع في التضخم بعد قرار بنك المغرب، يوم الثلاثاء 18 مارس 2025، بخفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 2.25%، وهو القرار الثالث من نوعه منذ يونيو 2024.
وبرر البنك هذه الخطوة بضرورة دعم النمو الاقتصادي، مؤكداً أن التضخم، بعد تباطؤ ملحوظ في 2024 إلى متوسط 0.9%، سيتسارع بشكل معتدل ليستقر حول 2% خلال السنتين القادمتين. وتتوقع تقديرات البنك أن يبلغ التضخم 2.2% على مدى 8 فصول، و2.4% على مدى 12 فصلاً.
لكن الارتفاع السريع إلى 2.6% في فبراير يشير إلى أن الضغوط التضخمية قد تكون أقوى مما كان متوقعاً، خاصة مع الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية التي تشكل جزءاً أساسياً من ميزانية الأسر المغربية.
يرى مراقبون أن هذا التضخم قد يكون نتيجة عوامل داخلية مثل نقص التساقطات المطرية التي أثرت على الإنتاج الزراعي، مما زاد الضغط على أسعار الخضروات والفواكه.
كما قد تلعب عوامل خارجية دوراً، مثل تقلبات أسعار السلع الأساسية عالمياً، رغم تراجع تأثيرها مقارنة بالسنوات السابقة. قرار خفض الفائدة، رغم أهدافه التنموية، قد يكون قد ساهم في تحفيز الطلب المحلي، مما عزز الضغوط على الأسعار.
في الوقت نفسه، يبرز الاعتماد الكبير على المواد الغذائية كتحدٍ هيكلي للاقتصاد المغربي، حيث تؤثر الزيادات في هذا القطاع بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، مما قد يثير مطالب اجتماعية بتدخل حكومي لدعم السلع الأساسية.
مع اقتراب معدل التضخم من الحد الأعلى لتوقعات بنك المغرب (2.4%)، يواجه البنك المركزي خياراً صعباً في الفترة المقبلة: إما الاستمرار في سياسة التيسير النقدي لدعم النمو، أو العودة إلى تشديد السياسة لاحتواء التضخم إذا استمر في التسارع. وفي ظل التحديات المناخية المستمرة والضغوط على القطاع الزراعي، قد يجد الاقتصاد المغربي نفسه أمام مفترق طرق يتطلب قرارات حاسمة.
في الوقت الذي يسعى فيه المغرب لتحقيق توازن دقيق بين النمو الاقتصادي واستقرار الأسعار، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن السياسات الحالية من كبح جماح التضخم دون التضحية بالانتعاش الاقتصادي؟ الشهور القادمة ستكون حاسمة للإجابة عن هذا التساؤل، مع ترقب ردود فعل الأسواق والمواطنين على حد سواء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق