في تحول لافت في ديناميكيات تجارة الغاز الإقليمية، تصدر المغرب قائمة الدول المستوردة للغاز الطبيعي من إسبانيا خلال عام 2024، متجاوزًا كلاً من فرنسا والبرتغال، وهما الدولتان اللتان كانتا تحتكران الصدارة تاريخيًا. ويعكس هذا التطور تعزيز التعاون بين الرباط ومدريد في مجال الطاقة، وسط تغيرات جيوسياسية واقتصادية كبيرة تشهدها المنطقة.
أرقام تؤكد الصدارة
وفقًا لبيانات مؤسسة الاحتياطيات الاستراتيجية للمنتجات البترولية الإسبانية (Cores)، استورد المغرب حوالي 9,703 جيجاواط/ساعة من الغاز الطبيعي من إسبانيا خلال العام الماضي، متفوقًا على فرنسا التي سجلت 9,362 جيجاواط/ساعة، والبرتغال بـ 4,056 جيجاواط/ساعة فقط. وبذلك، شكل المغرب نحو 26.8% من إجمالي صادرات الغاز الإسبانية التي بلغت 36,084 جيجاواط/ساعة في 2024، مما يؤكد مكانته كشريك استراتيجي رئيسي لمدريد في سوق الطاقة.
أسباب التحول: من الأزمة إلى الفرصة
يعود هذا الارتفاع الكبير في الواردات المغربية إلى عدة عوامل، أبرزها توقف إمدادات الغاز الجزائري عبر خط الأنابيب المغاربي الأوروبي في أكتوبر 2021، بعد قرار الجزائر عدم تجديد عقد التصدير إلى إسبانيا عبر المغرب. هذا القرار دفع المغرب للبحث عن بدائل لتأمين احتياجاته من الطاقة، خاصة لتشغيل محطات توليد الكهرباء مثل تهدارت وعين بني مطهر.
في يونيو 2022، أعيد تشغيل الخط المغاربي الأوروبي بشكل عكسي بعد اتفاق ثنائي بين المغرب وإسبانيا، ليصبح بمثابة شريان حياة لنقل الغاز المسال (LNG) من الموانئ الإسبانية إلى الأراضي المغربية، في خطوة تعكس تصاعد الطلب المحلي على الغاز.
سياق جيوسياسي داعم
لم يكن هذا التحول ممكنًا دون تعزيز العلاقات المغربية-الإسبانية، التي شهدت طفرة بعد دعم مدريد في مارس 2022 لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية. هذا الموقف أثار توترات مع الجزائر، التي حذرت من قطع إمدادات الغاز عن إسبانيا في حال إعادة تصديره إلى المغرب. لكن إسبانيا نجحت في تجاوز هذا التحدي من خلال اعتماد شهادات منشأ تثبت أن الغاز المُصدر إلى المغرب ليس من أصل جزائري، مما سمح باستمرار التدفقات دون خرق الالتزامات مع الجزائر.
مصادر الغاز: تنوع واستدامة
تعتمد إسبانيا على واردات الغاز المسال من عدة دول، حيث تصدرت الجزائر القائمة بـ 131,202 جيجاواط/ساعة في 2024، تلتها روسيا بـ 72,360 جيجاواط/ساعة، والولايات المتحدة بـ 57,354 جيجاواط/ساعة. ويتم إعادة تصدير جزء من هذه الكميات إلى المغرب عبر الخط المغاربي الأوروبي، مما يجعل إسبانيا حلقة وصل حيوية في سلسلة التوريد.
نظرة مستقبلية
لا يبدو أن المغرب سيقتصر على دور المستورد فقط. فالرباط تعمل على تطوير بنية تحتية محلية لاستيراد الغاز المسال مباشرة، بما في ذلك وحدات التخزين والتغويز العائمة (FSRU)، بهدف تقليل الاعتماد على إسبانيا في السنوات القادمة. كما يبرز مشروع خط أنابيب الغاز المغرب-نيجيريا كخطوة طموحة قد تعزز مكانة المغرب كمركز إقليمي للطاقة، وربما تمكنه من تصدير الغاز إلى إسبانيا وأوروبا مستقبلاً.
يؤكد تصدر المغرب لقائمة مستوردي الغاز من إسبانيا في 2024 أهمية التعاون الثنائي في مواجهة تحديات الطاقة والجيوسياسية. ومع تزايد الطلب على الطاقة وتطور البنية التحتية، يبقى السؤال المطروح: هل سيتمكن المغرب من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، أم سيظل مرتبطًا بشركائه الإقليميين؟ الإجابة قد تتشكل في السنوات القليلة المقبلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق