تشهد صادرات البرتقال المغربي إلى ألمانيا، إحدى أكبر الأسواق الأوروبية للحمضيات، تراجعًا حادًا في الفترة الأخيرة، وسط منافسة متزايدة من مصر التي تعزز حضورها في السوق العالمية بأسعار تنافسية وجودة عالية. وفقًا لتقارير حديثة، لم تستقبل الأسواق الألمانية أي شحنات برتقال مغربي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مما أثار تساؤلات حول مستقبل الصادرات المغربية في ظل هذا التحول.
أظهرت بيانات رسمية أن صادرات البرتقال المغربي انخفضت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. في موسم 2022/2023، بلغت الصادرات حوالي 30 ألف طن فقط خلال الأشهر الثمانية الأولى، بقيمة 13.7 مليون دولار، مقارنة بـ109 آلاف طن بقيمة 71 مليون دولار في نفس الفترة من 2022، أي بانخفاض يزيد عن 70% في الحجم و80% في القيمة. وكانت ذروة الصادرات المغربية قد سجلت في 2017 بحوالي 160 ألف طن، مما يعكس تراجعًا مستمرًا في الإنتاج والتسويق.
ويعزو المحللون هذا الانخفاض إلى عدة عوامل، منها الجفاف الذي ضرب المناطق الزراعية في المغرب، مما قلل من توافر المياه اللازمة للري، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإنتاج والشحن. كما تحول المغرب تدريجيًا نحو تصدير الحمضيات الصغيرة مثل الكلمنتين، تاركًا سوق البرتقال الكبير مفتوحًا أمام المنافسين.
في المقابل، برزت مصر كمنافس قوي في سوق الحمضيات الأوروبية، مستفيدة من زيادة الإنتاج وأسعار تنافسية مدعومة بانخفاض قيمة الجنيه المصري.
وفقًا لتوقعات وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) لموسم 2023/2024، من المتوقع أن تصل صادرات البرتقال المصري الطازج إلى 2 مليون طن، بزيادة 25% عن الموسم السابق الذي سجل 1.6 مليون طن بقيمة 635.8 مليون دولار.
وفي الربع الأول من 2024، بلغت الصادرات الزراعية المصرية الإجمالية 2.218 مليون طن بقيمة 1.5 مليار دولار، مع تصدر البرتقال القائمة.
وفي ألمانيا، التي تستهلك حوالي مليون طن من البرتقال سنويًا، ارتفعت الصادرات المصرية في 2023 إلى 10 آلاف طن، بزيادة تفوق 100% عن العام السابق، مما يعكس اختراقًا كبيرًا لهذا السوق.
ويأتي هذا النجاح مدعومًا باستصلاح أراضٍ جديدة وزيادة الإنتاج إلى 3.7 مليون طن في الموسم الحالي، مع تخصيص أكثر من نصف هذا الحجم للتصدير.
تقليديًا، كانت إسبانيا المورد الرئيسي للبرتقال إلى ألمانيا، لكن تراجع إنتاجها بنسبة 15.4% في 2022/2023، إلى جانب غياب الشحنات المغربية مؤخرًا، فتحا المجال أمام مصر لملء الفراغ.
ويركز الطلب الألماني حاليًا على برتقال العصير، مثل أصناف "فالنسيا" و"نافل"، التي تقدمها مصر بأسعار منخفضة وجودة تنافسية، في حين يترقب التجار عودة الشحنات المغربية من أصناف مثل "لينه لات" لاستعادة التوازن.
بالنسبة للمغرب، الذي يشكل القطاع الزراعي 15% من ناتجه المحلي الإجمالي ويوظف 45% من القوى العاملة، فإن تراجع صادرات البرتقال قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الريفي والميزان التجاري، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يستحوذ على 60% من صادراته الزراعية.
ويبدو أن المغرب بحاجة إلى استراتيجيات جديدة، سواء عبر تحسين البنية التحتية، تقليل التكاليف، أو إعادة توجيه الصادرات نحو أسواق بديلة مثل روسيا وآسيا.
أما مصر، التي نجحت في فتح 95 سوقًا جديدًا خلال العقد الماضي، فتتجه نحو تعزيز هيمنتها، مع توقعات بأن تصل صادراتها إلى 2.5 مليون طن في السنوات القادمة إذا استمر الاتجاه الحالي. ومع ذلك، قد تواجه تحديات تتعلق بالاستدامة البيئية والمنافسة مع موردين آخرين مثل جنوب إفريقيا.
يبقى السؤال: هل سيتمكن المغرب من استعادة مكانته في السوق الألمانية، أم أن مصر ستواصل صعودها كقوة مهيمنة في عالم الحمضيات؟ الإجابة تعتمد على قدرة كل بلد على التكيف مع التحديات الاقتصادية والبيئية في المستقبل القريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق