المغرب يستعد لثورة غازية.. ارتفاع الواردات واقتراب تشغيل تندرارة

حقل تندرارة المغربي يستعد للإنتاج وارتفاع في استيراد الغاز
المغرب يرفع واردات الغاز 3% في 2024 ويستعد لثورة طاقية مع تندرارة


في خطوة تعكس طموحاته الطاقية المتسارعة، رفع المغرب وارداته من الغاز الطبيعي بنسبة 3% خلال عام 2024، لتبلغ 886 مليون متر مكعب، مقارنة بـ861 مليوناً في 2023، وفق أحدث البيانات الرسمية. وفي الوقت نفسه، يضع البلد اللمسات الأخيرة لإطلاق إنتاجه المحلي من حقل تندرارة الواعد شرق المملكة، في خطوة قد تشكل نقطة تحول نحو الاكتفاء الذاتي بحلول نهاية 2025.

واردات الغاز: جسر مؤقت نحو الاستقلالية

منذ توقف تدفق الغاز الجزائري عبر خط الأنابيب المغاربي-الأوروبي في أكتوبر 2021، اعتمد المغرب على استيراد الغاز المسال من أسواق عالمية مثل روسيا ودول أخرى. يتم تسييل هذا الغاز في محطات إسبانية قبل نقله عبر الأنبوب إلى محطتي توليد الكهرباء في طاهدارت وعين بني مطهر، بالإضافة إلى دعم صناعات الفوسفات، السيراميك، والحديد. الزيادة الطفيفة في الواردات، رغم تواضعها، تؤكد تصاعد الطلب المحلي على الطاقة، لكنها تعكس أيضاً مرحلة انتقالية يعول فيها المغرب على الخارج بانتظار تفعيل موارده الداخلية.

ورغم تراجع الواردات خلال الربع الثاني من 2024 بسبب تقلبات الأسعار العالمية، يرى خبراء أن استقرار البنية التحتية للاستيراد عبر إسبانيا منح المغرب مرونة كافية لتلبية احتياجاته الحالية. لكن السؤال الملح يبقى: إلى متى سيستمر هذا الاعتماد مع اقتراب إنتاج تندرارة؟

تندرارة: حلم الاكتفاء الذاتي يقترب

في قلب الصحراء الشرقية، يبرز حقل تندرارة كأكبر اكتشاف غاز بري في تاريخ المغرب، باحتياطي يقدر بـ10.67 مليار متر مكعب، كافٍ لتغطية احتياجات البلاد لعقود، وربما حتى 2067 وفق تقديرات متفائلة. الشركة البريطانية "ساوند إنرجي"، بالشراكة مع المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن (ONHYM) وشركة "مناجم" المغربية، تقود هذا المشروع الطموح الذي اقترب من مرحلة الإنتاج التجاري.
وكشفت مصادر حصرية أن "ساوند إنرجي" أوشكت على إتمام بناء محطة تسييل الغاز في الحقل، مع خطط لبدء تجارب الإنتاج في صيف 2025، تليها عمليات تجارية في الربع الأخير من العام نفسه بكمية تصل إلى 10 ملايين قدم مكعب يومياً. وقال غراهام ليون، الرئيس التنفيذي للشركة، في تصريح حديث: "الغاز سيبدأ بالتدفق قبل نهاية 2025، وهدفنا زيادة الإنتاج بنسبة 300-400% خلال السنوات المقبلة". هذا يعني أن الحقل قد ينتج ما يصل إلى 400 مليون متر مكعب سنوياً، وهو رقم يقترب من نصف الواردات الحالية.

تحديات التطوير والشراكات الاستراتيجية

لم يكن الطريق إلى تندرارة مفروشاً بالورود. المشروع واجه تأخيرات كبيرة بسبب أزمات سلسلة التوريد العالمية في 2022-2023، إثر الصراع الروسي-الأوكراني وإغلاق مصانع الصلب في أوروبا. لكن الشركة تغلبت على هذه العقبات، حيث أكملت حفر آبار رئيسية مثل "تي-6" و"تي-7"، وأوقفت منصة "ستار فالي ريغ 101" في سبتمبر 2024 بعد انتهاء مهمتها.

وتتولى "مناجم" المغربية حالياً استكمال خطوط التدفق لنقل الغاز، بينما تنتظر "ساوند إنرجي" موافقات من وزارة الانتقال الطاقي لتمديد تراخيص الاستكشاف في مناطق مجاورة مثل "تندرارة الكبير" و"أنوال". هذه الشراكة تعكس استراتيجية مغربية لتعزيز السيادة الوطنية على الموارد، مع استثمارات تجاوزت 160 مليون دولار حتى الآن.

آفاق مستقبلية: من الاستيراد إلى التصدير؟

في الوقت الحالي، تفوق الواردات (886 مليون متر مكعب) بكثير الإنتاج المتوقع من تندرارة في مرحلته الأولى (100-280 مليون متر مكعب سنوياً)، مما يعني استمرار الاعتماد على الخارج حتى 2026 على الأقل. لكن نجاح خطط التوسع قد يقلب الموازين، خاصة مع خطط لربط الحقل بخط الأنابيب المغاربي-الأوروبي، مما يفتح الباب أمام تصدير الفائض إلى أوروبا مستقبلاً.
ورغم طموح هذا الهدف، يحذر المراقبون من أن الإنتاج الأولي المحدود قد لا يكفي لتحقيق التصدير في المدى القريب، لكنه سيخفف الضغط على ميزانية الواردات. ومع اكتشافات محتملة في مناطق مثل حقل "أنشوا" قبالة سواحل العرائش، يبدو المغرب في طريقه لتحويل أزمة الطاقة إلى فرصة اقتصادية.

رؤية حصرية: ثورة طاقية تلوح في الأفق

يرى المحللون أن تندرارة ليس مجرد حقل غاز، بل رمز لتحول المغرب من مستهلك إلى منتج. التعاون مع "مناجم" يعزز الثقة في قدرة القطاع الخاص المحلي على قيادة هذا الانتقال، بينما تشير الاستثمارات الضخمة إلى التزام حكومي بأمن الطاقة. لكن النجاح يتوقف على سرعة تنفيذ المشروع وتجاوز العقبات اللوجستية، مع أمل أن يصبح المغرب لاعباً إقليمياً في سوق الغاز خلال العقد المقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة ل الجريدة - أخبار اليوم لحظة بلحظة 2025
Khadamatona