تتصاعد المخاوف في الأوساط العسكرية والسياسية الإسبانية من سيناريو قد يعيد إلى الأذهان أحداث "المسيرة الخضراء" التاريخية عام 1975، لكن هذه المرة بطموح مغربي لاستعادة مدينتي سبتة ومليلية، الواقعتين تحت السيادة الإسبانية على الساحل الشمالي للمغرب. التقارير التي نشرتها صحيفة "إل إسبانيول" في فبراير الماضي أشارت إلى أن هذه المخاوف ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإمكانية دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في يناير 2025، لمطالب المغرب التاريخية بالمدينتين.
جذور القلق الإسباني
بدأت القصة مع تقرير نشر في 10 فبراير 2025، استند إلى مصادر عسكرية وأمنية إسبانية لم تُسمَ، حذرت من أن ترامب قد يمد يد العون للمغرب في خطوة مشابهة لقراره عام 2020 بالاعتراف بسيادة الرباط على الصحراء الغربية. تلك الخطوة، التي جاءت ضمن صفقة تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، أثارت حينها قلق مدريد، والآن يخشى المحللون أن يمتد هذا الدعم ليشمل سبتة ومليلية، اللتين يصفهما المغرب بـ"المدينتين المحتلتين".
ويزيد من حدة هذه التكهنات التقارب العسكري المتزايد بين الرباط وواشنطن، الذي يتجلى في مناورات "الأسد الإفريقي" السنوية، إلى جانب وضع المدينتين الخاص خارج نطاق الحماية المباشرة لحلف الناتو، مما يجعل إسبانيا تشعر بضعف موقفها الدفاعي في حال وقوع أزمة.
"مسيرة خضراء" جديدة؟
يستحضر التقرير شبح "المسيرة الخضراء" التي قادها المغرب عام 1975، حينما نظم الملك الحسن الثاني مسيرة سلمية ضخمة بمشاركة 350 ألف مواطن لاستعادة الصحراء الغربية من إسبانيا، وهي الخطوة التي أجبرت مدريد على الانسحاب. اليوم، يتخوف المحللون الإسبان من أن تستلهم الرباط هذا التكتيك مجدداً، بدعم أمريكي محتمل، للضغط على إسبانيا للتخلي عن سبتة ومليلية.
ورغم أن المغرب لم يصدر أي تصريح رسمي يؤكد هذه النوايا، فإن خطابه السياسي المتكرر حول "استعادة الأراضي المغتصبة" يبقي هذا الاحتمال قائماً في أذهان الإسبان.
ردود الفعل الإسبانية
سارعت الحكومة الإسبانية إلى تهدئة الجدل. وأكد وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس أن العلاقات مع المغرب تشهد "أفضل مراحلها"، مشيراً إلى افتتاح الجمارك التجارية في سبتة ومليلية في يناير 2025 كدليل على التعاون المثمر. وشدد على أن المدينتين "جزء لا يتجزأ من إسبانيا"، محذراً من أن أي تهديد لهما سيواجه رداً حازماً.
من جانبهم، رفض مسؤولو المدينتين المحليون التقرير. وقال خوان خوسيه إمبرودا، رئيس حكومة مليلية، إن هذه المخاوف "اختراع إعلامي"، مؤكداً أن السكان لا يشعرون بأي قلق وأن الحياة تسير بشكل طبيعي. ولم يصدر رئيس سبتة خوان فيفاس تعليقاً مباشراً، لكن مصادر محلية أكدت استقرار الأوضاع على الحدود.
الموقف المغربي والعلاقات الثنائية
منذ المصالحة التاريخية بين إسبانيا والمغرب في مارس 2022، شهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً، مع تعزيز التعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتطوير التجارة. ومع ذلك، يبقى ملف سبتة ومليلية نقطة حساسة، حيث يرفض المغرب الاعتراف بالسيادة الإسبانية عليهما، دون أن يترجم ذلك إلى خطوات عملية ملموسة حتى الآن.
تكهنات أم تهديد حقيقي؟
يرى مراقبون أن تقرير "إل إسبانيول" قد يكون مبالغاً فيه، خاصة أن ترامب لم يدلِ بأي تصريحات جديدة حول الموضوع منذ تنصيبه، كما أن استقرار العلاقات الإسبانية-المغربية يجعل فكرة "مسيرة خضراء" تبدو بعيدة الاحتمال حالياً. لكن آخرون يحذرون من أن سياسات ترامب "غير المتوقعة" قد تغير المعادلة، خاصة إذا قرر تعزيز تحالفاته مع المغرب في مواجهة خصوم آخرين.
آراء الشارع الافتراضي
على منصة "إكس"، تباينت الآراء حول الخبر. واعتبره البعض "تهويلاً إعلامياً" يهدف إلى الضغط السياسي داخل إسبانيا، بينما رأى آخرون أنه قد يعكس مخاوف مشروعة من تحركات ترامب المستقبلية. وفي السياق العربي، أشار بعض المستخدمين إلى أن المغرب قد يستغل أي دعم أمريكي لتعزيز موقفه التاريخي.
حتى اللحظة، يبقى الخبر في إطار التكهنات، دون أدلة مادية تشير إلى تصعيد وشيك. لكن مع ترقب السياسة الأمريكية تحت قيادة ترامب، والتوازن الدقيق في العلاقات الإسبانية-المغربية، يظل ملف سبتة ومليلية محط أنظار الجميع، بين مخاوف إسبانية مشروعة وطموحات مغربية تاريخية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق