المغرب يبرز كمستورد رئيسي للأعلاف الحيوانية الروسية: تحول استراتيجي في العلاقات التجارية بين موسكو والرباط

شحنة من كسب دوار الشمس تُرسل من جمهورية باشكورتوستان إلى المغرب، في إطار تعزيز التعاون الزراعي بين البلدين.

في تحول مهم على صعيد العلاقات التجارية بين روسيا والمغرب، كشف تقرير رسمي عن تصاعد دور المغرب في سلاسل التوريد الزراعية، لاسيما في مجال استيراد الأعلاف الحيوانية، وهو ما يعكس تزايد الاهتمام الروسي بالتوسع في الأسواق الإفريقية.

قفزة في صادرات الأعلاف الروسية إلى المغرب

أفادت بيانات رسمية نشرتها الإدارة الفيدرالية للرقابة الزراعية والبيطرية بجمهورية باشكورتوستان (أحد الكيانات الفيدرالية الروسية) أن المغرب أصبح من أبرز زبائن الأعلاف الحيوانية المنتجة في هذه المنطقة الروسية. ففي خطوة لافتة، أقدمت إحدى الشركات الكبرى لاستخراج الزيوت في منطقة "مايتشني" على تصدير أكثر من 3.2 ألف طن من كسب دوار الشمس المحبب (المضغوط) إلى المغرب في دفعة واحدة.

ومنذ بداية عام 2025، وصلت واردات المغرب من كسب دوار الشمس، الغني بالبروتين، إلى أكثر من 5.5 آلاف طن، ما يجعل الرباط أحد الزبائن الرئيسيين في هذه السوق الروسية. تأتي هذه الزيادة الكبيرة في التوريد في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية تقلبات كبيرة بسبب الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية، ما دفع المغرب إلى البحث عن شركاء تجاريين جدد بعيدًا عن الأسواق التقليدية الأوروبية.

السبب وراء الانفتاح على روسيا

يعود السبب الرئيسي لهذا التوجه إلى عدة عوامل. أولًا، تواجه دول الاتحاد الأوروبي صعوبات في تأمين احتياجاتها من الإضافات العلفية عالية البروتين، ما جعل السوق الروسية مفتوحة للعديد من الدول الإفريقية، وعلى رأسها المغرب. فيما تسعى الرباط إلى ضمان استمرارية سلاسل التوريد للقطاع الفلاحي، خاصة في ضوء تأثيرات سنوات الجفاف وارتفاع تكاليف الأعلاف في السوق المحلية.

ومن جانبها، تُعد الأعلاف الروسية من الخيارات التنافسية للعديد من الدول بسبب تكلفتها المنخفضة مقارنة ببعض الموردين التقليديين. وبالنسبة للمغرب، يأتي استيراد كسب دوار الشمس كجزء من استراتيجية تأمين مخزونات الأعلاف استعدادًا لموسم الإنتاج الحيواني، خاصة في ظل الأزمات المناخية المتكررة التي تؤثر على القطاع الزراعي.

دور المغرب في تعزيز الأمن الغذائي

يعتبر الأمن الغذائي أحد الأولويات الرئيسية للمملكة المغربية، لاسيما في مجالات تغذية المواشي والدواجن. ومنذ سنوات، اتخذت الحكومة المغربية خطوات ملموسة لتخفيف تأثيرات الأزمات العالمية على القطاع الزراعي، كان أبرزها إعفاءات جمركية على واردات الأعلاف المركبة في عام 2022، في محاولة لتخفيف الضغوط على الفلاحين والمربين المحليين.

ورغم أن المغرب ظل لفترة طويلة يعتمد بشكل رئيسي على شريكاته الأوروبية في استيراد الأعلاف، فإن هذا التحول نحو روسيا يعكس رغبة المملكة في تنويع مصادرها وحمايتها من أي تقلبات قد تنشأ نتيجة للتوترات السياسية أو الاقتصادية في أوروبا.

توسع التعاون بين موسكو والرباط في المجال الفلاحي

تعتبر هذه الخطوة جزءًا من سياسة موسكو الهادفة إلى توسيع نطاق تعاونها التجاري مع دول الجنوب، وخاصة في إفريقيا. وفي هذا السياق، يرى الخبراء أن المغرب يُعد بوابة استراتيجية لروسيا لدخول أسواق غرب وشمال إفريقيا، وهو ما يبرز من خلال الشحنات الكبيرة التي أُرسلت عبر قطارات مخصصة لهذا الغرض.

بجانب الأعلاف، فإن روسيا والمغرب يعملان على توسيع التعاون في مجالات أخرى مثل الزيوت النباتية، الحبوب، والأسمدة، وذلك في إطار الشراكات طويلة الأمد التي بدأ البلدان في بنائها منذ زيارة الملك محمد السادس لروسيا في عام 2016. هذه الزيارة التاريخية كانت نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، حيث تم توقيع اتفاقيات استراتيجية في مجالات الفلاحة والطاقة.

موقع المغرب الاستراتيجي في المشهد العالمي

من الناحية الجيوسياسية، يُعتبر المغرب أحد اللاعبين الرئيسيين في شمال إفريقيا. يقع في موقع استراتيجي يجعله حلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا، مما يسهل حركة التجارة ويعزز من موقعه في سلاسل التوريد العالمية. في هذا السياق، يعكس تعاون المغرب مع روسيا في مجال الأعلاف الحيوانية مرونة السياسة التجارية للمملكة وقدرتها على التنقل بين محاور عالمية متعددة دون الوقوع في فخ الانحياز إلى جهة معينة.

التوقعات المستقبلية

مع تزايد الاحتياجات العلفية في مختلف أنحاء العالم بسبب التحديات البيئية والاقتصادية، يُتوقع أن يشهد التعاون بين المغرب وروسيا توسعًا كبيرًا في السنوات المقبلة. الخبراء يشيرون إلى أن هذه الشراكة قد تكون نموذجًا لما يمكن أن يحدث بين دول الجنوب، حيث تزداد أهمية العلاقات التجارية جنوب-جنوب في ظل التحولات الجيوسياسية المستمرة.

في الختام، يُعد هذا التحول في العلاقات التجارية بين روسيا والمغرب مثالًا حيًا على براجماتية السياسة الاقتصادية المغربية، التي تسعى دائمًا إلى تأمين احتياجاتها من خلال بناء شراكات متعددة ومتنوعة تضمن استقرارها الاقتصادي وتحمي مصالحها الفلاحية في عالم متغير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق