بعد أكثر من 18 شهرًا على زلزال 8 شتنبر 2023 الذي دمر إقليم الحوز، لا يزال السكان يواجهون مصيرًا مجهولًا وسط خيام بالية تفتقر لأبسط شروط العيش الكريم. التساقطات المطرية والثلجية الأخيرة كشفت هشاشة الأوضاع، مع غمر المياه للخيام وتفاقم معاناة المتضررين، فيما تستمر الحكومة في الترويج لشعارات “الدولة الاجتماعية” التي يراها منتقدون “مجرد حبر على ورق”.
مغرب التناقضات
رضا بوكمازي، القيادي البارز بحزب العدالة والتنمية، وجه انتقادات لاذعة لسياسات الحكومة، معتبرًا أن تعاملها مع أزمة الحوز يكشف “فشلًا ممنهجًا” في تحقيق العدالة المجالية. وأشار إلى أن الاستثمارات العمومية تُركز على مشاريع استعراضية، مثل تجديد الملاعب بسرعة فائقة، بينما تُترك قرى بأكملها دون إعمار أو خدمات أساسية بعد كارثة طبيعية لم يكن للسكان يد فيها.
وأضاف بوكمازي: “نعيش في مغرب يسير بسرعتين: جودة حياة مرتفعة لبعض المناطق، وإهمال صارخ لأخرى”. كما حذر من أن التضييق على احتجاجات المتضررين يعكس “أولويات معكوسة”، داعيًا إلى إعادة توجيه الموارد لضمان السكن اللائق والكرامة للمتضررين بدلًا من “الاستثمار في الترف”.
من كارثة طبيعية إلى أزمة سياسية
في سياق متصل، يرى محمد حفيظ، الأستاذ الجامعي والقيادي بفدرالية اليسار الديمقراطي، أن الحوز لم تعد تعاني من تداعيات زلزال طبيعي فحسب، بل من “أزمة سياسية عميقة” ناجمة عن عجز الحكومة عن الوفاء بتعهداتها. وأكد أن برنامج إعادة الإعمار والتأهيل “تاه في متاهة البيروقراطية”، تاركًا قرى بأكملها دون بنية تحتية، وسكانًا عالقين في مواجهة قساوة الطبيعة دون مأوى يحميهم.
وحث حفيظ، في تحليل حصري، الحكومة على كسر جدار الصمت وفتح حوار مع المتضررين، محذرًا من أن “التقاعس الحالي يرسم صورة دولة غائبة أو متجاهلة لاحتياجات مواطنيها”. ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أشار إلى “انتهاكات حقوقية” تمثلت في قمع أصوات النشطاء الذين رفعوا صرخات الاستغاثة، مستشهدًا بحالة سعيد آيت مهدي، رئيس تنسيقية ضحايا الزلزال، وآخرين واجهوا السجن بسبب مطالبهم المشروعة.
صرخة تحت الأمطار
مع موجة الاضطرابات الجوية الأخيرة التي اجتاحت المغرب، تحولت خيام المتضررين إلى مستنقعات طينية، وأصبح البرد القارس تهديدًا يوميًا لأجساد منهكة. هذا الواقع القاسي، الذي يمتد لأكثر من سنة ونصف، أعاد فتح ملف تأخر إعادة الإعمار، وسط تساؤلات متزايدة حول جدوى الخطط الحكومية التي ظلت حبيسة الوعود.
الأزمة الحالية أثارت موجة غضب واسعة بين السياسيين والحقوقيين، الذين يرون أن التباين بين إنجازات “الواجهة” وإهمال المناطق المنكوبة يكشف عن خلل جذري في رؤية التنمية. وفيما ينتظر سكان الحوز بصيص أمل، تبقى صرختهم عالقة بين الخيام الممزقة وشعارات الدولة التي لم تجد طريقها إلى الواقع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق