في خطوة طموحة لتعزيز مكانة المغرب كمركز إقليمي للطاقة، أعلنت الحكومة المغربية عن إطلاق دعوة للتعبير عن الاهتمام لتطوير البنية التحتية للغاز، مع التركيز على إنشاء أول محطة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال (LNG) في ميناء الناظور ويست ميد. هذا المشروع الاستراتيجي، الذي يندرج ضمن رؤية طويلة الأمد للملك محمد السادس، يهدف إلى تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، دعم الصناعات الوطنية، وتعزيز التعاون الإقليمي عبر شبكات الغاز القارية.
مشروع الناظور: بوابة الطاقة المغربية
تعد محطة الناظور للغاز الطبيعي المسال، التي يتوقع اكتمالها بحلول عام 2027، الركيزة الأولى في خطة استثمارية ضخمة بقيمة 6 مليارات دولار. ستكون المحطة مرتبطة بشبكة أنابيب غاز تمتد لتغذية محطات توليد الكهرباء التابعة للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بالإضافة إلى المناطق الصناعية الرئيسية في كل من القنيطرة ومحمدية.
وفقًا لمصادر مطلعة في وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ستعتمد المحطة على موقع ميناء الناظور ويست ميد الاستراتيجي، الذي يتمتع بموقع جغرافي متميز على البحر الأبيض المتوسط، مما يسهل استيراد الغاز الطبيعي المسال من الأسواق العالمية. كما سترتبط المحطة بخط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي، مما يعزز قدرة المغرب على لعب دور محوري في سوق الطاقة الإقليمية.
خطة طموحة: ثلاث محطات للغاز بحلول 2030
لا يقتصر الطموح المغربي على محطة الناظور وحدها. تشمل الخطة الاستراتيجية إنشاء محطتين إضافيتين للغاز الطبيعي المسال: واحدة في محمدية أو جرف الأصفر، المقرر تشغيلها أيضًا بحلول 2027، وأخرى في الداخلة بحلول 2030. محطة الداخلة ستكون بمثابة جسر طاقي، حيث سترتبط بشبكتي السنغال-موريتانيا وخط أنابيب نيجيريا-المغرب، وهو المشروع الضخم الذي يهدف إلى ربط غرب إفريقيا بأوروبا عبر شبكة غاز متكاملة.
"نحن نبني بنية تحتية للمستقبل، ليس فقط لتلبية احتياجاتنا الوطنية، بل لنكون شريكًا موثوقًا في استقرار الطاقة الإقليمية"، هكذا صرحت مصادر مقربة من الوزارة، مشيرة إلى أن هذه المشاريع ستخلق آلاف فرص العمل وتدعم النمو الاقتصادي في المناطق المستضيفة، خاصة الناظور والداخلة.
سياق استراتيجي: الطاقة كمحرك للتنمية المستدامة
يأتي هذا الإعلان في سياق عالمي معقد، حيث تتزايد التحديات الجيوسياسية والضغوط البيئية. المغرب، الذي يواصل تعزيز استثماراته في الطاقات المتجددة، يرى في الغاز الطبيعي المسال حلاً انتقاليًا يدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة مع تقليل الاعتماد على الفحم. وتشير تقديرات رسمية إلى أن الغاز الطبيعي سيسهم في خفض انبعاثات الكربون بنسبة كبيرة مقارنة بالوقود الأحفوري التقليدي.
خلال المؤتمر الطاقي السادس عشر الذي عُقد في ورزازات تحت شعار "الطاقة: ركيزة استراتيجية للأمن المائي والتنمية المستدامة"، أكدت الوزيرة ليلى بنعلي أن هذه المشاريع تعكس التزام المغرب بالربط بين الأمن الطاقي، المائي، والغذائي. وأضافت أن المغرب يعمل على تسريع وتيرة الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة، حيث تضاعفت الاستثمارات في شبكات نقل الكهرباء بشكل كبير خلال العقدين الماضيين.
شراكات دولية: فرنسا في صدارة التعاون
شهد المؤتمر حضورًا بارزًا لشركاء دوليين، مع تسليط الضوء على التعاون مع فرنسا، التي كانت ضيف شرف هذا العام. وأشار المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، جيرار ميستراليه، إلى أهمية الشراكة مع المغرب في مجالات الهيدروجين الأخضر، ربط شبكات الطاقة، وإزالة الكربون من الصناعات. هذا التعاون يعكس الثقة الدولية في الرؤية الطاقية المغربية، التي تجمع بين الابتكار والاستدامة.
تأثير اقتصادي واجتماعي واعد
من المتوقع أن يكون لمشروع محطة الناظور تأثير اقتصادي كبير على المنطقة الشرقية للمغرب، التي طالما عانت من محدودية الاستثمارات الكبرى. سيعمل المشروع على خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، خاصة في قطاعات البناء، النقل، والخدمات اللوجستية. كما ستعزز المناطق الصناعية المرتبطة بالمشروع من جاذبية الناظور كوجهة استثمارية.
على المستوى الوطني، ستساهم هذه المشاريع في استقرار أسعار الطاقة، وهو أمر بالغ الأهمية للصناعات التحويلية والمستهلكين على حد سواء. كما ستعزز من قدرة المغرب على تصدير الطاقة في المستقبل، خاصة مع اكتمال خط أنابيب نيجيريا-المغرب.
مع إطلاق هذا المشروع الرائد، يضع المغرب نفسه في صدارة الدول الإفريقية التي تسعى لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية. محطة الناظور ليست مجرد منشأة لاستيراد الغاز، بل هي رمز للطموح المغربي في بناء اقتصاد مرن قادر على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
للمزيد من التفاصيل حول تقدم المشروع، يمكن للمهتمين متابعة الإعلانات الرسمية لوزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، حيث من المتوقع أن تكشف عن شركاء المشروع ومراحل التنفيذ خلال الأشهر القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق