عقد يلزم ضحايا الزلزال بالتخلي عن حقوقهم في الدعم.. وانتقادات حقوقية حادة

متضررو الزلزال يوقعون على وثيقة "التخلي عن الدعم".. وجدل حول شرعيتها
اتفاق يحرم متضرري الزلزال من دعم مستقبلي.. واتهامات بـ"استغلال المعاناة"

في تطور جديد يعكس تعقيدات ملف إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز، تلقى المواطنون في الإقليم وثيقة تلزمهم بإتمام أشغال بناء منازلهم وفقاً للرخص الممنوحة لهم، مع التعهد الصريح بعدم المطالبة بأي دفعة إضافية من الدعم المالي المقدم من الدولة. وفي الوقت نفسه، يواجه السكان أوامر بهدم خيامهم التي كانت ملاذهم المؤقت منذ الكارثة التي ضربت المنطقة في 8 سبتمبر 2023، مخلفة آلاف الضحايا ودماراً واسعاً.

تفاصيل الوثيقة والهدف المعلن


وفقاً لمصدر في السلطات المحلية بدائرة أسني، في تصريح لصحيفة "صوت المغرب"، فإن الوثيقة تهدف إلى حث المتضررين على استكمال بناء منازلهم بالمبالغ التي حصلوا عليها كتعويضات، بغض النظر عن مدى كفايتها.

وثيقة تمنع متضرري الزلزال من طلب دعم إضافي.. وحقوقي يصفها بـ"اتفاق مهين"


هذا الالتزام أثار موجة من الجدل، خاصة أن الدفعات المالية، التي تتراوح بين 20 ألف درهم كدفعة أولية و140 ألف درهم كحد أقصى للمنازل المنهارة كلياً، لا تكفي لتغطية تكاليف البناء الأساسية، وفق شهادات السكان المحليين.

تناقضات رسمية ودور الجمعيات


ورغم تأكيد المصدر المحلي صحة الخبر، نفى مسؤولون آخرون في الإقليم علمهم بهذا الإجراء، مما يعكس ارتباكاً إدارياً أو غياب تنسيق واضح بين الجهات المعنية. وفي مفارقة لافتة، أفاد مسؤول جماعي وحقوقيون أن جمعيات مدنية تتولى تنفيذ هذا الإجراء ميدانياً، ما يثير تساؤلات حول مدى الإشراف الرسمي وطبيعة التفويض الممنوح لهذه الجمعيات.

أوامر هدم الخيام: خطوة مثيرة للجدل


في سياق متصل، تلقى المتضررون أوامر بهدم خيامهم، وهي الملاذ الوحيد للعديد من الأسر التي لم تتمكن من إتمام البناء بعد. وأكد مصدر من السلطات المحلية أن هذا الإجراء يستهدف الأسر التي أكملت بناء أسقف منازلها، معتبراً أنه "لم يعد هناك مبرر لبقائهم في الخيام، خاصة مع الظروف الجوية السيئة".
لكن هذا التبرير يتناقض مع واقع الأسر التي لا تزال تعاني من نقص التمويل، حيث أشار ناشطون حقوقيون إلى أن الدفعة الأولى (20 ألف درهم) لا تغطي حتى تكلفة الأساس، التي تصل إلى 40 ألف درهم وفق تقديرات محلية.

انتقادات حقوقية وسياسية حادة


لم يمر هذا التطور دون ردود فعل قوية. وصف عمر أربيب، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش المنارة، الوثيقة بـ"عقد إذلال"، مؤكداً أن السلطات تمارس ضغوطاً على المواطنين لفرض "سياسة الأمر الواقع"، خاصة في ظل الاهتمام الدولي الذي وصل إلى البرلمان الأوروبي. وأضاف أن أياً من السكان لم يوقع على الوثيقة بعد، مشيراً إلى أن الدولة تتنصل من مسؤوليتها وتلقي العبء على الضحايا.

من جانبها، اعتبرت النائبة البرلمانية نبيلة منيب، من الحزب الاشتراكي الموحد، أن الوضع "مأساوي"، حيث قضى المتضررون شتاءين قاسيين في الخيام وسط الثلوج والبرد دون مأوى دائم، منتقدة غياب استراتيجية محكمة لإعادة الإعمار. وتساءلت عن مصير الأموال المقترضة من الخارج والتبرعات، متهمة الحكومة بتبديد الموارد وإقصاء الكفاءات المحلية.

بدوره، أعرب نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، عن أسفه لـ"تأخر كبير" في توفير المأوى، مشيراً إلى "فشل حكومي فادح" وغياب إرادة سياسية لمعالجة الأزمة، وداعياً إلى تحرك عاجل لتحسين ظروف المتضررين.

واقع الإعمار: أرقام وتحديات


وفقاً لبلاغ رسمي من عمالة إقليم الحوز (مارس 2025)، تم إنجاز أكثر من 15,100 منزل، أي نحو 60% من المستهدف، مع توقعات بالوصول إلى 80% بحلول مايو 2025. لكن أكثر من 10% من الأسر لم تبدأ البناء بعد، بسبب مشاكل الورثة أو التأخر في المبادرة. كما تقلص عدد الخيام من 35,500 بعد الزلزال إلى 3,211 فقط، لكن استمرار وجود آلاف الأسر فيها يعكس بطء التقدم.

في المقابل، تؤكد تنسيقية ضحايا الزلزال (ديسمبر 2024) أن نسبة الإعمار لم تتجاوز 16%، متهمة السلطات بالبطء وسوء التدبير، فيما يشير السكان إلى أن من أكملوا البناء اعتمدوا على مساعدات أقاربهم بالخارج وليس الدعم الحكومي.

تساؤلات حول الشفافية


أثارت الأزمة تساؤلات حادة حول مصير الأموال المخصصة للإعمار. يتساءل الحقوقيون والسياسيون: أين ذهب صندوق تدبير آثار الزلزال؟ وما مصير مساهمات وكالة تنمية الأطلس الكبير، والتأمين ضد الكوارث، والدعم الأممي، واقتطاعات الأجور، وتبرعات المواطنين؟ هذه الأسئلة تكشف عن شكوك متزايدة حول الشفافية في إدارة الموارد، في وقت أعلنت فيه الحكومة (نوفمبر 2024) عن توزيع 1775 مليون درهم على 51,938 أسرة، وتوقيع اتفاقية تمويل مع الاتحاد الأوروبي بـ190 مليون يورو.

معاناة مستمرة ومستقبل غامض


يعيش المتضررون في الحوز واقعاً قاسياً، حيث يواجهون ضغوطاً للتخلي عن الخيام وإكمال البناء بموارد غير كافية، وسط ظروف مناخية صعبة تشمل البرد والثلوج والفيضانات. الانتقادات المتواصلة من الفاعلين السياسيين والحقوقيين تؤكد أن وعود الحكومة لم تترجم إلى واقع ملموس، مما يزيد من حدة الأزمة الإنسانية.

يرى البعض، مثل أربيب، أن الحكومة تستغل الأزمة لأغراض انتخابية مستقبلية (2026)، بينما تؤكد منيب أن الكفاءات المغربية في الهندسة والبناء كانت قادرة على تقديم حلول سريعة ومستدامة، لو تم استغلالها بشكل صحيح.

تظل قضية إعادة إعمار الحوز محاطة بالجدل والتحديات. الوثيقة وأوامر الهدم، رغم أنها قد تكون محاولة لتسريع العملية، تثير استياءً واسعاً بسبب الضغط على الضحايا بدلاً من دعمهم. وبينما ينتظر المتضررون إجابات واضحة وحلولاً ملموسة، يبقى السؤال: هل ستتحمل الحكومة مسؤوليتها الكاملة، أم ستستمر الأزمة كجرح مفتوح في قلب الأطلس الكبير؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة ل الجريدة - أخبار اليوم لحظة بلحظة 2025
Khadamatona