المغرب خارج سباق الذكاء الاصطناعي العالمي

رسم بياني يوضح ترتيب الدول في مؤشر التنافسية العالمية للذكاء الاصطناعي 2025، مع غياب المغرب عن القائمة وتفوق دول مثل الصين والسعودية.
في تقرير حديث أصدره منتدى التمويل الدولي (IFF)، برز غياب المملكة المغربية بشكل لافت عن قائمة الدول الثلاثين الأولى في مؤشر التنافسية العالمية للذكاء الاصطناعي، وهو مؤشر يقيس الأداء العلمي والابتكاري في هذا القطاع الحيوي. هذا الغياب ليس مجرد إحصائية عابرة، بل مؤشر على تحديات عميقة تواجهها المنظومة البحثية والتكنولوجية في المغرب، في وقت يشهد فيه العالم سباقاً محموماً لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تشكل مستقبل الاقتصاد العالمي.

مؤشر التنافسية: الصين تتصدر والمغرب يتغيب


استند التقرير إلى تحليل شامل لملايين الأوراق البحثية وبراءات الاختراع على مدى عقد من الزمن، ليظهر تفوق الصين بإنتاج ضخم من الأبحاث العلمية، تلتها الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، سجلت دول مثل سويسرا وكندا وهولندا حضوراً قوياً بفضل جودة أبحاثها وتأثيرها الأكاديمي العالي، حيث تُستشهد أوراقها البحثية على نطاق واسع في الدوريات العلمية الرائدة.

على الصعيد العربي، برزت المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية في هذا المجال، حيث احتلت المرتبة الخامسة عشرة عالمياً، بينما جاءت مصر في المرتبة الثامنة والعشرين. هذا الحضور العربي، رغم أنه لم يصل بعد إلى مستوى الدول الأوروبية من حيث التأثير العلمي، يعكس استثمارات متزايدة في البحث والتطوير. في المقابل، لم يظهر المغرب أو أي من دول شمال إفريقيا الأخرى، مثل الجزائر وتونس، في هذا التصنيف، مما يشير إلى فجوة إقليمية في تبني هذا القطاع الاستراتيجي.

لماذا غاب المغرب؟ تحديات بنيوية وإشكاليات هيكلية


يعود غياب المغرب عن هذا التصنيف إلى جملة من التحديات التي تعيق تقدمه في مجال الذكاء الاصطناعي. أولاً، هناك ضعف ملحوظ في الإنتاج العلمي المرتبط بهذا القطاع، حيث تفتقر الجامعات والمراكز البحثية المغربية إلى التمويل الكافي والبرامج المنظمة لتطوير أبحاث ذات جودة عالية. على عكس دول مثل سنغافورة، التي حققت إنتاجية بحثية مذهلة بفضل استثماراتها المركزة، يعاني المغرب من تشتت الموارد وغياب استراتيجية وطنية واضحة للذكاء الاصطناعي.

ثانياً، هناك نقص في رأس المال البشري المؤهل. على الرغم من وجود كفاءات مغربية متميزة، إلا أن هجرة الأدمغة إلى الخارج، إلى جانب محدودية برامج التكوين المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، تحد من قدرة المغرب على بناء قاعدة قوية من الباحثين والمبتكرين. في المقابل، نجد دولاً مثل الصين والولايات المتحدة تستثمر بكثافة في تكوين جيل جديد من الخبراء من خلال الجامعات الرائدة مثل UC Berkeley والجامعة الصينية للعلوم.

ثالثاً، يعاني المغرب من ضعف في تسجيل براءات الاختراع، وهي مؤشر رئيسي للابتكار التكنولوجي. بينما تسجل دول مثل الصين والولايات المتحدة مئات الآلاف من البراءات سنوياً، تكاد تكون مساهمة المغرب في هذا المجال معدومة، مما يعكس غياب بيئة داعمة لتحويل الأفكار البحثية إلى منتجات تقنية قابلة للتسويق.

مقارنة إقليمية: دروس من السعودية ومصر


تُظهر التجربة السعودية والمصرية أهمية الاستثمار الممنهج في البحث العلمي. السعودية، على سبيل المثال، استفادت من رؤية 2030 التي ركزت على تنويع الاقتصاد وتعزيز الابتكار، مما أدى إلى زيادة كبيرة في إنتاج الأوراق البحثية. مصر، من جانبها، بدأت في الاستثمار في مراكز بحثية متخصصة وشراكات مع مؤسسات دولية، مما ساهم في تحسين حضورها العلمي. هذه التجارب توفر دروساً قيمة للمغرب، الذي يحتاج إلى استراتيجية مماثلة تركز على تعزيز البنية التحتية البحثية وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

رغم التحديات، يمتلك المغرب إمكانيات كبيرة للعودة إلى السباق العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي. أولاً، يمكن للحكومة إطلاق استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تركز على تمويل المشاريع البحثية، ودعم الجامعات، وإنشاء مراكز تميز متخصصة. ثانياً، ينبغي تعزيز التعاون مع الشركات التقنية العالمية لنقل التكنولوجيا وتطوير المهارات. ثالثاً، يمكن للمغرب الاستفادة من موقعه الجغرافي كجسر بين إفريقيا وأوروبا لجذب استثمارات في هذا القطاع.

علاوة على ذلك، يجب أن تُعطى الأولوية لتكوين جيل جديد من الباحثين من خلال برامج تعليمية متخصصة ومنح دراسية. تجربة دول مثل سنغافورة تُظهر أن الاستثمار في رأس المال البشري يمكن أن يحقق نتائج مذهلة حتى في الدول ذات الموارد المحدودة.

إن غياب المغرب عن قائمة الدول الرائدة في الذكاء الاصطناعي ليس نهاية المطاف، بل فرصة لإعادة تقييم السياسات ووضع خطط طموحة للحاق بركب التقدم التكنولوجي. في عالم يتجه نحو اقتصاد المعرفة، يتعين على المغرب أن يضع الذكاء الاصطناعي في صدارة أولوياته التنموية، ليس فقط لتحسين موقعه في التصنيفات العالمية، بل لضمان دوره كلاعب فاعل في مستقبل الابتكار العالمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق