كشفت مجموعة هاكرز جزائرية عن أسرار مالية حساسة من قلب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) المغربي، مما وضع شخصيات بارزة في المملكة تحت المجهر. وفي صدارة هذه التسريبات، برز اسم محمد منير الماجدي، السكرتير الخاص للملك محمد السادس، مع وثيقة مسربة تؤكد أنه يتقاضى راتباً شهرياً يبلغ 120,000 يورو، أي ما يعادل 1.3 مليون درهم مغربي. هذا الكشف أشعل فتيل نقاش حاد حول الشفافية والمساواة في بلد يعاني فيه الملايين من ضغوط اقتصادية متزايدة.
بدأت القصة يوم السبت 5 أبريل 2025، عندما تعرضت خوادم CNSS لهجمات من نوع DDoS، قبل أن تتطور العملية إلى اختراق شامل أتاح للهاكرز استخراج بيانات ضخمة تشمل 1.9 مليون موظف و500 ألف شركة. المجموعة الجزائرية، التي يُعتقد أنها تُعرف بـ "Jabaroot"، أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، مشيرة إلى أنه رد على اختراق سابق استهدف وكالة الأنباء الجزائرية (APS). لكن ما بدا كمعركة رقمية بين دولتين تحول إلى فضيحة داخلية عندما تم نشر الوثائق المسربة على الإنترنت.
من بين آلاف الملفات، لفتت وثيقة واحدة الأنظار: قائمة رواتب تضمنت اسم محمد منير الماجدي، الرجل الذي يُعتبر الذراع الاقتصادية للعائلة الملكية. الراتب المذكور، الذي يفوق بمئات المرات متوسط دخل المواطن المغربي، أثار موجة من الصدمة والغضب على منصات التواصل الاجتماعي.
محمد منير الماجدي، المولود عام 1965 في حي التقدم الشعبي بالرباط، لم يكن مرشحاً ظاهرياً ليصبح أحد أقوى الرجال في المغرب. لكن صداقته المبكرة مع نوفل عثمان، ابن الوزير الأول الأسبق أحمد عثمان والأميرة للا نزهة، فتحت له أبواب القصر.
وبعد تولي الملك محمد السادس العرش عام 1999، أصبح الماجدي سكرتيره الخاص في 2000، ثم رئيساً لـ "سيجر" في 2002، وهي الشركة القابضة التي تدير أصول العائلة الملكية تحت مظلة "المدى".
لم يكتفِ الماجدي بإدارة الشؤون الخاصة للملك، بل بنى إمبراطورية اقتصادية تشمل قطاعات الإعلانات (عبر "إف.سي.كوم")، المهرجانات (موازين)، والاستثمارات الكبرى في السكك الحديدية والمطارات. لكن هذا الصعود لم يخلُ من الشبهات، حيث ارتبط اسمه بفضائح مثل "هكتارات تارودانت" و"أوراق بنما"، مما جعله هدفاً دائماً للانتقادات.
1.3 مليون درهم: راتب أم رمز للتباين؟
الوثيقة المسربة لم تكشف فقط عن راتب الماجدي، بل أعادت فتح ملف التباين الاقتصادي في المغرب. بينما يعيش ملايين المغاربة تحت وطأة الفقر، يتقاضى الماجدي شهرياً ما يكفي لتغطية رواتب آلاف العمال. "هل هذا هو العدل الذي ننشده؟"، يتساءل أحد المغردين على منصة X، فيما دعا آخرون إلى تحقيق عاجل في مصادر هذا الراتب وعلاقته بمؤسسة عمومية مثل CNSS.
لم تصدر السلطات المغربية بياناً رسمياً حول هذا التسريب حتى الآن، لكن مصادر حكومية حاولت التقليل من شأن الحادث، مدعية أن البيانات المسربة "غير حساسة". ومع ذلك، يرى خبراء الأمن السيبراني أن الاختراق يكشف عن هشاشة البنية الرقمية للمؤسسات المغربية، ويضعها أمام تحدٍ لاستعادة الثقة العامة.
هذا التسريب قد يكون مجرد بداية لسلسلة من الكشوفات، خاصة مع احتواء البيانات المسربة على معلومات تخص شخصيات أخرى وشركات كبرى. بالنسبة للماجدي، فإن هذا الحدث قد يعزز صورته كرمز للنفوذ والامتيازات لدى منتقديه، بينما يدافع عنه أنصاره كشخصية استثنائية تستحق ما وصلت إليه بفضل كفاءتها. لكن السؤال الأكبر يبقى: هل ستدفع هذه الفضيحة السلطات إلى فتح تحقيق في الرواتب العالية، أم ستبقى مجرد ضجة عابرة؟
مع استمرار التوترات السيبرانية بين المغرب والجزائر، يبدو أن "صندوق باندورا" المغربي قد فُتح بالفعل، وما زالت الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق