شهدت مدينة مراكش، على هامش فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"، إعلانًا بارزًا يمهد لثورة رقمية في القطاع الصحي المغربي. فقد وقّعت مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة اتفاقية شراكة استراتيجية مع المجموعة الفرنسية "MipihSIB"، وهي مؤسسة ذات منفعة عامة تتمتع بخبرة طويلة في رقمنة النظم الصحية.
تهدف هذه الشراكة إلى إعادة تشكيل المشهد الصحي في المغرب عبر دمج التكنولوجيا الرقمية لتحسين جودة الخدمات وتعزيز الكفاءة التشغيلية، مع الحفاظ على السيادة الوطنية على البيانات الصحية.
تأتي هذه الشراكة في سياق الاستراتيجية الوطنية لتحديث القطاع الصحي، التي تسعى إلى جعل التكنولوجيا أداة أساسية لتحقيق العدالة الصحية وتسهيل الوصول إلى الخدمات. وتتمحور الاتفاقية حول بناء بنية تحتية رقمية متكاملة، تتيح إدارة فعالة للبيانات الطبية، تحسين تجربة المرضى، وتطوير قدرات المستشفيات لمواكبة التحديات الحديثة.
وفقًا لمصادر مطلعة من مؤسسة محمد السادس، سيتم التركيز في المرحلة الأولى على مستشفيين رئيسيين: المستشفى الجامعي الدولي محمد السادس في بوسكورة، والمستشفى الجامعي الدولي محمد السادس في الرباط. وتطمح الشراكة إلى تحقيق زيادة في الكفاءة التشغيلية لهذين المرفقين بنسبة تصل إلى 30% بحلول عام 2027، من خلال أنظمة رقمية متقدمة تقلل أوقات الانتظار وتعزز جودة الرعاية.
أحد أبرز الأهداف التي تسعى إليها هذه الاتفاقية هو ضمان السيادة الرقمية للمغرب في إدارة بياناته الصحية. وفي ظل التهديدات السيبرانية المتزايدة عالميًا، يبرز هذا الهدف كعنصر حاسم لحماية المعلومات الحساسة للمرضى. تعتمد الشراكة على خبرة "MipihSIB"، التي تُعد أول مضيف بيانات صحية فرنسي معتمد بشهادة "HDS"، لتأسيس بنية تحتية سيادية تضمن أمان البيانات وتتماشى مع أعلى المعايير الأخلاقية والتقنية.
"نحن لا نتحدث فقط عن رقمنة العمليات، بل عن بناء نظام صحي ذكي يضع المريض في صميم اهتماماته، مع حماية كاملة لبياناته الشخصية"، هكذا صرح أحد المسؤولين في مؤسسة محمد السادس، مشيرًا إلى أن هذا النهج سيرسخ ثقة المواطنين في الأنظمة الرقمية.
تتجاوز الشراكة أهدافها المحلية لتصبح نموذجًا إقليميًا يمكن تكراره في دول إفريقية أخرى. ومن خلال الاستفادة من خبرة "MipihSIB" التي تمتد لأكثر من خمسة عقود في رقمنة القطاع الصحي الفرنسي، ستعمل الشراكة على نقل هذا الإرث إلى المغرب بما يتناسب مع خصوصياته الصحية والثقافية. تشمل الخطة برامج تدريب مكثفة للكوادر الطبية والإدارية، إلى جانب دعم ميداني للمستشفيات لتطبيق حلول رقمية مبتكرة.
وفي تصريح خاص، أكد مصطفى لاسيك، المدير العام لـ"MipihSIB"، على أهمية التعاون التشاركي، قائلاً: "هذا النموذج يضع المغرب في طليعة الدول التي تستثمر في الصحة الرقمية، ونحن ملتزمون بدعم هذا التحول بكل خبراتنا".
تنقسم الشراكة إلى ستة محاور رئيسية تهدف إلى تغطية مختلف جوانب النظام الصحي:
- تحسين جودة الرعاية: تطوير أنظمة ذكية لتسهيل التشخيص والعلاج.
- تسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية: تقليص الفجوات بين المناطق الحضرية والريفية عبر حلول رقمية.
- التكوين الرقمي: تمكين المهنيين الصحيين من إتقان التكنولوجيا الحديثة.
- البحث والابتكار: دمج الذكاء الاصطناعي في تطوير حلول طبية متقدمة.
- الوقاية الصحية: تعزيز البرامج الرقمية للتوعية والكشف المبكر.
- الصحة والرياضة: ربط التكنولوجيا ببرامج تعزيز اللياقة البدنية.
يطمح المغرب من خلال هذه الشراكة إلى أن يصبح مرجعًا إقليميًا في مجال الصحة الرقمية. ومع استضافة معرض "جيتكس إفريقيا"، يبرز المغرب كمنصة لتبادل الأفكار والابتكارات، مما يعزز مكانته كمحرك للتقدم التكنولوجي في القارة. وتعد هذه الخطوة جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى خدمة المواطنين، تحسين جودة حياتهم، وتأمين مستقبل صحي مستدام.
تظل هذه الشراكة نموذجًا يعكس التزام المغرب بالابتكار والتعاون الدولي، مع الحفاظ على هويته الوطنية وسيادته التكنولوجية. ومع انطلاق العمل في المستشفيات المستهدفة، يترقب المغاربة تحولًا نوعيًا في تجربتهم الصحية خلال السنوات القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق