الحكومة المغربية تُصادق على مشروع قانون جديد لإصلاح التعليم الخصوصي

ثورة في التعليم الخصوصي: مشروع قانون 59.21 يضع حدًّا للفوضى ويُرسي معايير صارمة للجودة والشفافية

صادقت الحكومة المغربية على مشروع القانون رقم 59.21 المتعلق بتنظيم التعليم المدرسي الخصوصي، واضعة بذلك حجر الأساس لإصلاح شامل وعميق لقطاع ظل لعقود يفتقر إلى التأطير الصارم والشفافية الكاملة. يأتي هذا المشروع في إطار تنزيل الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015-2030)، ويهدف إلى إعادة الاعتبار للمدرسة المغربية، وضمان حقوق المتعلمين، وتحقيق تكافؤ الفرص بين التعليمين العام والخاص.


تفاصيل القانون: غرامات مالية وصرامة في التراخيص


يتضمن مشروع القانون مجموعة من التدابير الزجرية والتنظيمية التي تستهدف ضبط أداء المؤسسات التعليمية الخاصة. من بين أبرز العقوبات المنصوص عليها:


  • غرامات مالية تتراوح بين 10 آلاف و100 ألف درهم على المؤسسات التي تزاول أنشطتها بدون ترخيص، أو التي تُغيّر مقرها أو برامجها دون موافقة مسبقة.

  • غرامات تصل إلى 50 ألف درهم في حالة رفض تسجيل التلاميذ المستوفين للشروط القانونية.

  • فرض تأمين إلزامي ضد الحوادث المدرسية، ومنع نشر الإعلانات المغلوطة.

  • عقوبات تتراوح بين 5 و20 ألف درهم على المدراء الذين لا يمارسون مهامهم فعليًا أو يوظفون كوادر غير مؤهلة.


يأتي هذا القانون استجابة لشكاوى متكررة من الأسر المغربية بشأن ممارسات بعض المدارس الخاصة، كفرض زيادات غير مبررة في الرسوم الدراسية أو إجبار الأسر على اقتناء اللوازم المدرسية من داخل المؤسسة. ويهدف المشروع إلى ضمان علاقة تعاقدية واضحة وشفافة، تحفظ حقوق التلاميذ وأولياء أمورهم، وتُلزم المؤسسات باحترام مضامين العقود التربوية.


حق التمدرس ومجانية التعليم الأساسي


نص المشروع أيضًا على ضمان حق جميع الأطفال المغاربة، من سن 4 إلى 16 سنة، في التمدرس، بما فيهم ذوو الإعاقة أو الحالات الاجتماعية الخاصة. وحدد مسؤولية الدولة في تعبئة الموارد التنظيمية واللوجستيكية لتحقيق هذا الهدف، إلى جانب إحداث لجان تنسيق على مستوى العمالات والأقاليم لتتبع تسجيل التلاميذ ومحاربة الهدر والانقطاع المدرسيين.


تعزيز التعليم الاستدراكي والمدارس الجماعاتية


في إطار تعزيز الإنصاف التربوي، أولى مشروع القانون أهمية للتعليم الاستدراكي ومراكز الفرصة الثانية، واعتبرها آلية رئيسية لإعادة إدماج المتعلمين المنقطعين. كما شدّد على ضرورة توسيع المدارس الجماعاتية، خصوصًا في الوسط القروي، لتحل محل المدارس الفرعية ضعيفة الأداء.


أحد أهم جوانب المشروع يكمن في إخضاع المؤسسات التعليمية، سواء العامة أو الخاصة، لتقييم سنوي شامل يُقيّم مردوديتها البيداغوجية والإدارية. وسيتم منح علامات جودة للمؤسسات التي تستوفي المعايير المطلوبة، ما سيشكل أداة رقابية وتحفيزية في الآن نفسه.


إلزامية احترام الثوابت الوطنية للتعليم الأجنبي


فرض المشروع على المؤسسات الخاصة التي تقدم تعليما أجنبيا ضرورة تضمين برامجها مضامين تعرّف بالهوية الوطنية المغربية، بما في ذلك اللغتان العربية والأمازيغية، ومؤسسات الدولة الدستورية، بهدف ترسيخ الانتماء وتعزيز المواطنة لدى التلاميذ.


يمثل مشروع القانون رقم 59.21 نقلة نوعية في مسار إصلاح التعليم الخصوصي بالمغرب، إذ يُوازن بين تشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي وضمان حماية حقوق المتعلمين. كما يُجسد توجه الدولة نحو “المدرسة الجديدة” التي تقوم على مبادئ الإنصاف، والجودة، والاستدامة، ومكافحة الهدر المدرسي.


تطبيق هذا المشروع يتطلب شراكة حقيقية بين الدولة، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني، وأولياء الأمور، من أجل بناء منظومة تربوية عادلة، متماسكة، ومتكاملة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق