تتأهب العاصمة المغربية الرباط لاستقبال الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي سينطلق في الفترة من 18 إلى 28 أبريل الجاري، في حدث ثقافي يعد بأن يكون واحدًا من أبرز المواعيد الفكرية والإبداعية على المستويين الوطني والدولي. ويأتي هذا المعرض، الذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالشراكة مع جهة الرباط-سلا-القنيطرة وجماعة الرباط، ليعكس التزام المغرب بتعزيز المشهد الثقافي ودعم صناعة الكتاب والمعرفة.
تشير الأرقام الأولية إلى أن هذه الدورة ستشهد مشاركة قياسية تضم حوالي 775 عارضًا يمثلون 51 دولة، موزعين بين 311 عارضًا مباشرًا و464 عارضًا بالوكالة. وسيقدم هؤلاء العارضون ما مجموعه 100 ألف عنوان، مما يجعل المعرض منصة غنية بالإصدارات الأدبية والفكرية التي تلبي مختلف الأذواق والاهتمامات. هذا التنوع الثقافي يعكس مكانة المعرض كجسر يربط بين الثقافات والشعوب، ويعزز الحوار الفكري على المستوى العالمي.
كشفت الندوة الصحفية التي عُقدت الإثنين بالرباط عن برنامج ثقافي مكثف يمتد على مدار أيام المعرض، حيث سيتضمن 26 نشاطًا يوميًا بمشاركة 762 متدخلاً من باحثين، كتاب، ومبدعين من المغرب وخارجه. وتشمل الفعاليات ندوات عامة، لقاءات فكرية، أمسيات شعرية، حوارات مباشرة، وتقديم إصدارات جديدة، مما يوفر فضاءً حيويًا لتبادل الأفكار والاحتفاء بالإبداع في مختلف أشكاله.
ومن بين الفقرات الاحتفالية المميزة، سيكرم المعرض قامات إبداعية وفكرية مغربية ساهمت في إشعاع الثقافة الوطنية، إلى جانب تكريم رموز الثقافة العربية بالتعاون مع منظمة "الإلكسو". كما سيشهد الحدث توزيع جوائز أدبية مرموقة مثل جوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة والجائزة الوطنية للقراءة، مما يعزز مكانة المعرض كمنصة للاحتفاء بالتميز الأدبي.
تتميز هذه الدورة باستضافة إمارة الشارقة من الإمارات العربية المتحدة كضيف شرف، في خطوة تعكس العلاقات الثقافية الوثيقة بين المغرب والإمارات. وستشارك الشارقة ببرنامج ثقافي وفني وحضاري متكامل، يقوده وفد يضم نخبة من الأدباء، المفكرين، والناشرين الإماراتيين.
ومن خلال هيئة الشارقة للكتاب، ستستعرض الإمارة المشهد الأدبي والإبداعي الإماراتي بمشاركة أكثر من 15 دار نشر، إلى جانب تنظيم جلسات حوارية تهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي مع الكتاب والمفكرين المغاربة.
ويتضمن برنامج الشارقة أيضًا ورش عمل للأطفال، عروضًا تراثية، وجلسات مخصصة للخط العربي بالتعاون مع خطاطين مغاربة، مما يجعل مشاركتها تجربة شاملة تجمع بين الأدب، الفن، والتراث. وتهدف الإمارة من خلال هذه المشاركة إلى تعزيز الروابط الثقافية العربية، وتسليط الضوء على مبادراتها في دعم صناعة الكتاب والمعرفة من خلال النشر والترجمة.
تبرز هذه الدورة باحتفائها الخاص بمغاربة العالم، حيث سيكرم المعرض أربع شخصيات بارزة في تاريخ الهجرة المغربية، وهم: عبد الله بونفور، المتخصص في الدراسات الأمازيغية؛ الراحل أحمد غزالي، الكاتب المسرحي وعالم المتاحف؛ للا خيتي أمينة بن هاشم العلوي، أول صحفية مغربية في الإذاعة والتلفزيون البلجيكي؛ والراحل إدريس الشرايبي، بمناسبة الذكرى السبعين لصدور روايته "التيوس" في باريس.
ويشمل البرنامج الأدبي لمغاربة العالم تنظيم أمسية شعرية متعددة اللغات تضم قراءات لـ11 شاعرًا باللغات العربية، الأمازيغية، الفرنسية، الإنجليزية، الإيطالية، والإسبانية. كما سيتم عرض عشرة أفلام مغربية رائدة تتناول موضوع الهجرة، بالإضافة إلى إصدار عددين خاصين من مجلتي "ديبتيك" المخصصة للفنانين التشكيليين من مغاربة العالم، و"تيل كيل" التي تركز على روائيات المهجر.
وفي كلمة له خلال الندوة الصحفية، أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، أن استضافة الشارقة كضيف شرف تعكس التزام المعرض بترسيخ قيم التعاون الثقافي العربي والانفتاح على الآخر. وأضاف أن الاحتفاء بمغاربة العالم يعزز روابط الانتماء بالوطن الأم، مشيرًا إلى أن الوزارة تعمل مع شركائها لجعل هذه الدورة قيمة مضافة تجعل من الرباط وجهة ثقافية عالمية، خاصة مع استعدادها لتكون العاصمة العالمية للكتاب في 2026.
من جهته، أبرز رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إدريس اليزمي، أن الاحتفاء بإدريس الشرايبي يتيح استكشاف مسيرته الإبداعية من خلال معرض يضم صورًا وشهادات، مضيفًا أن هذا الحدث سيكشف عن التحولات الفكرية والثقافية للجالية المغربية بالخارج، خاصة تطور الكتابات النسائية.
ولم يغفل المعرض فئة الأطفال، حيث أعدت الوزارة برنامجًا يتضمن 712 نشاطًا، منها 660 ورشة تثقيفية في ستة فضاءات مخصصة، بالإضافة إلى فضاء خاص بكتب الأشرطة المصورة لشخصيات "السنافر"، مما يعكس حرص المنظمين على تعزيز القراءة والإبداع لدى الأجيال الصاعدة.
تأتي هذه الدورة في سياق استعداد الرباط لاحتضان لقب العاصمة العالمية للكتاب في 2026، مما يجعلها محطة حاسمة لتعزيز مكانتها كوجهة ثقافية دولية. وبفضل هذا الحدث، يواصل المغرب تأكيد دوره كمركز للثقافة والمعرفة، يجمع بين التراث والحداثة، ويفتح آفاقًا جديدة للحوار الثقافي العالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق