أصدرت جامعة تافتس الأمريكية تقريرها السنوي “مؤشر التطور الرقمي 2025”، الذي يكشف عن تقدم المغرب المتواضع في مسار التحول الرقمي، حيث احتل المرتبة 81 من بين 125 اقتصادًا عالميًا، محققًا 61.52 نقطة في مؤشر زخم التحول الرقمي. ومع ذلك، يعكس هذا التصنيف تحديات بنيوية تواجه الاقتصاد الرقمي المغربي، خاصة مع تراجعه إلى المرتبة 87 في مؤشر نضج الاقتصاد الرقمي، بنتيجة 40.64 نقطة فقط، مما يضعه في المراتب الدنيا عالميًا.
تحديات هيكلية تعيق التحول الرقمي
يسلط التقرير الضوء على عدة عقبات تعرقل تقدم المغرب في التحول الرقمي، أبرزها ضعف البنية التحتية الرقمية، التي لا تزال تعاني من تفاوت كبير في تغطية الإنترنت بين المناطق الحضرية والريفية. كما أن محدودية اعتماد التقنيات الحديثة في القطاعات الحكومية والخاصة، إلى جانب نقص المهارات الرقمية لدى القوى العاملة، يعيقان بناء اقتصاد رقمي تنافسي. ويضاف إلى ذلك انخفاض مستوى ثقة المواطنين في الأمن السيبراني، مما يحد من انتشار الخدمات الرقمية مثل التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية.
وخلافًا للتوقعات التي ربطت فترة جائحة كوفيد-19 بتسارع التحول الرقمي، أظهر التقرير تباطؤًا عالميًا في هذا المجال، حيث انخفض متوسط النمو السنوي للتحول الرقمي من 4.3% قبل الجائحة إلى 2.4% بعدها. ولم يتمكن المغرب من استثمار هذه الفترة بشكل كافٍ لتعزيز بنيته الرقمية، على الرغم من بعض الإنجازات المحدودة، مثل زيادة الاعتماد على الدفع الإلكتروني في القطاع البنكي وتجربة التعليم عن بُعد في القطاع التربوي.
التعليم وسوق العمل: فجوة مهارات ملحوظة
في سياق متصل، كشف “مؤشر المهارات المستقبلية العالمي” الصادر عن مؤسسة كواكاريلي سيموندس (QS) عن تحدٍ آخر يواجه المغرب، حيث احتل المرتبة 78 من بين 81 دولة في مدى ملاءمة نظامه التعليمي لمتطلبات سوق العمل، بنتيجة 30.5 نقطة، وهي أقل بكثير من المتوسط العالمي (50 نقطة). هذا التصنيف يعكس ضعف الربط بين مخرجات التعليم والمهارات التي تتطلبها الوظائف المستقبلية، خاصة في مجالات التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي.
ويعزى هذا الأداء الضعيف إلى غياب برامج تدريبية متخصصة في المهارات التقنية، ومحدودية الاستثمار في البحث العلمي داخل الجامعات المغربية. على سبيل المثال، تصدرت جامعة محمد الخامس بالرباط الجامعات المغربية في التصنيف العربي، لكنها جاءت في المرتبة 95 عربيًا، مما يعكس تراجع القدرة التنافسية للتعليم العالي المغربي.
دروس من النماذج الناجحة
يبرز التقرير تجارب دول مثل الصين، الهند، وفيتنام، التي حققت قفزات نوعية في التحول الرقمي بفضل استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية وسياسات حكومية استباقية. فعلى سبيل المثال، استفادت الصين من انتشار واسع للمدفوعات الرقمية والتجارة الإلكترونية، مدعومة بثقة المواطنين في البيئة الرقمية. وفي المقابل، يحتاج المغرب إلى استراتيجية وطنية شاملة تركز على تعزيز الأمن السيبراني، تحسين جودة التعليم التقني، وتشجيع الابتكار في القطاع الخاص.
رؤية مستقبلية لتعزيز التنافسية الرقمية
أمام المغرب فرصة لتحويل هذه التحديات إلى دافع للتغيير، من خلال تبني نهج متعدد الأبعاد يشمل:
- تطوير البنية التحتية الرقمية: توسيع تغطية الإنترنت عالي السرعة في المناطق الريفية وتعزيز الأمن السيبراني لزيادة ثقة المواطنين.
- إصلاح التعليم العالي: إعادة هيكلة المناهج الجامعية لتتماشى مع متطلبات سوق العمل، مع التركيز على المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
- تحفيز الابتكار: دعم الشركات الناشئة التقنية وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول رقمية مبتكرة.
- تعزيز الثقة الرقمية: إطلاق حملات توعية لتثقيف المواطنين حول فوائد الخدمات الرقمية وسلامتها.
يواجه المغرب تحديًا مزدوجًا يتمثل في الحفاظ على التقدم المحرز في التحول الرقمي وتسريع وتيرة النضج الرقمي لمواكبة الاقتصادات الناشئة. ومع وجود إرادة سياسية قوية واستراتيجية وطنية متكاملة، يمكن للمغرب تحويل هذه التحديات إلى فرص لتعزيز تنافسيته الاقتصادية وتحقيق طموحاته في بناء اقتصاد رقمي مستدام. إن الاستثمار في رأس المال البشري والبنية التحتية الرقمية ليس خيارًا، بل ضرورة ملحة لضمان مكانة المغرب على خارطة الاقتصاد العالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق