في تطور لافت يعكس التحولات الاقتصادية والزراعية في المغرب، كشفت بيانات حديثة أن المملكة استوردت أكثر من 36 ألف طن من الموز خلال عام 2024، مسجلة زيادة بنسبة 28.8% مقارنة بعام 2023، وما يقارب ضعف الكمية المستوردة في 2022.
هذا الرقم القياسي، الذي تجاوزت تكلفته 18 مليون دولار، يأتي في ظل ارتفاع الطلب المحلي على هذه الفاكهة الشعبية، بينما يواجه الإنتاج المحلي تراجعًا ملحوظًا، مما يثير تساؤلات حول استدامة الاعتماد على الواردات وسبل تعزيز القطاع الزراعي الوطني.
تشير الإحصاءات إلى أن الإنتاج المحلي للموز في المغرب شهد انخفاضًا بنسبة 7.5% في عام 2023، ليصل إلى حوالي 309,000 طن، مقارنة بالسنوات السابقة التي كانت تشهد استقرارًا نسبيًا.
ويعزو الخبراء هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها شح المياه الناجم عن التغيرات المناخية، وتدهور جودة التربة في بعض المناطق الزراعية الرئيسية مثل جهة سوس-ماسة، التي تُعدّ من أكبر المناطق المنتجة للموز في البلاد.
ومع تزايد عدد السكان وتغير أنماط الاستهلاك، أصبحت الكميات المحلية غير كافية لتلبية الطلب، مما دفع التجار والمستوردين إلى البحث عن مصادر خارجية لسد الفجوة.
يعتمد المغرب بشكل رئيسي على دول أمريكا اللاتينية، مثل الإكوادور وكوستاريكا والكولومبيا، لتأمين احتياجاته من الموز. هذه الدول، التي تُعدّ من رواد الإنتاج العالمي، توفر كميات كبيرة بجودة عالية، لكن بتكلفة مرتفعة نسبيًا.
فقد بلغت القيمة الإجمالية لواردات الموز في 2024 أكثر من 18 مليون دولار، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على الميزان التجاري للبلاد.
ويرى محللون اقتصاديون أن هذا الارتفاع في التكلفة قد يكون مرتبطًا بزيادة أسعار الشحن العالمية، إلى جانب تقلبات الإنتاج في الدول المصدرة نتيجة الظروف الجوية أو السياسات التصديرية.
من الناحية البيئية، يثير الاعتماد المتزايد على الاستيراد مخاوف بشأن البصمة الكربونية الناتجة عن نقل هذه الكميات عبر المحيطات. فالشحن البحري لآلاف الأطنان من الموز يتطلب استهلاكًا كبيرًا للوقود الأحفوري، مما يتعارض مع التوجهات العالمية نحو الاستدامة التي يسعى المغرب لتبنيها في إطار استراتيجيته الخضراء. اقتصاديًا، يرى البعض أن تخصيص ملايين الدولارات للاستيراد قد يكون استثمارًا أفضل لو تم توجيهه لدعم المزارعين المحليين وتحسين البنية التحتية الزراعية.
في هذا السياق، دعا خبراء زراعيون إلى ضرورة إعادة النظر في سياسات دعم القطاع الزراعي، خاصة فيما يتعلق بزراعة الموز. من بين المقترحات المطروحة: تحسين تقنيات الري بالتنقيط لمواجهة ندرة المياه، توفير أسمدة مدعومة للمزارعين الصغار، وتشجيع البحث العلمي لتطوير أصناف محلية مقاومة للجفاف. في المقابل، يرى آخرون أن الاستيراد سيظل حلاً عمليًا على المدى القصير، خاصة مع استمرار الضغوط على الإنتاج المحلي.
مع اقتراب نهاية عام 2025، يبقى السؤال المطروح: هل سيتمكن المغرب من تحقيق توازن بين تعزيز إنتاجه المحلي من الموز والحفاظ على استقرار السوق عبر الواردات؟ يبدو أن الإجابة تعتمد على مدى قدرة الحكومة على الاستثمار في القطاع الزراعي، ومواجهة التحديات البيئية التي تهدد هذا المحصول الاستراتيجي. في الوقت الحالي، يظل الموز رمزًا لتحديات الاكتفاء الذاتي في المغرب، ودليلاً على تعقيدات التوفيق بين الطلب المحلي والإمكانيات الوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق