أعلنت الصين اليوم عن زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية، لترتفع من 34% إلى 84%، وذلك اعتبارًا من غدٍ، 10 أبريل 2025. جاء هذا القرار ردًا مباشرًا على السياسات التجارية العدوانية التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترته الرئاسية الثانية، والتي شهدت رفع الرسوم على السلع الصينية إلى مستوى قياسي بلغ 104%.
وفقًا لبيان صادر عن مكتب لجنة التعرفات الجمركية التابع لمجلس الدولة الصيني، فإن الزيادة الأخيرة تهدف إلى "حماية المصالح الاقتصادية للصين والرد على السياسات الأمريكية غير العادلة". وأشار البيان إلى أن الرسوم المعدلة ستشمل مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية، بما في ذلك السلع الزراعية مثل فول الصويا والذرة، والمنتجات الصناعية مثل السيارات وقطع الغيار، بالإضافة إلى المواد الخام مثل النفط والغاز الطبيعي.
يأتي هذا الإجراء بعد أيام من إعلان الولايات المتحدة تفعيل حزمة جديدة من الرسوم الجمركية التي استهدفت الصين بشكل رئيسي، حيث بلغت الرسوم الإجمالية على الواردات الصينية 104%، وهي الأعلى في تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين. وكانت إدارة ترامب قد أثارت الجدل بإقرار زيادة إضافية بنسبة 50% في اللحظات الأخيرة قبل تفعيل الرسوم، وهو ما وصفته بكين بأنه "استفزاز غير مسؤول".
تُعد هذه الجولة من الرسوم المتبادلة امتدادًا للتوترات التجارية التي بدأت خلال الفترة الرئاسية الأولى لترامب (2017-2021)، عندما فرضت الولايات المتحدة رسومًا على سلع صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات، مما دفع الصين إلى الرد بإجراءات مماثلة. ورغم توقيع اتفاقية تجارية جزئية في عام 2020، إلا أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 أعادت إشعال الصراع، مع وعود انتخابية بفرض رسوم أكثر صرامة لتقليص العجز التجاري الأمريكي مع الصين، والذي بلغ 419 مليار دولار في عام 2024.
في الأسبوع الماضي، أعلنت الصين عن خطوة أولية بفرض رسوم بنسبة 34% على جميع الواردات الأمريكية، لكن الزيادة الأمريكية الأخيرة إلى 104% دفعت بكين إلى رفع سقف ردها إلى 84%. ويرى محللون أن هذا التصعيد المتبادل قد يدخل الاقتصاد العالمي في مرحلة جديدة من عدم اليقين، خاصة مع تأثيره على سلاسل التوريد العالمية وأسعار السلع الأساسية.
من المتوقع أن تؤثر الرسوم الصينية الجديدة بشكل كبير على القطاعات الأمريكية التي تعتمد على السوق الصينية، مثل الزراعة والسيارات والتكنولوجيا. على سبيل المثال، قد يواجه مزارعو الغرب الأوسط الأمريكي، الذين يصدرون كميات كبيرة من الحبوب إلى الصين، خسائر فادحة. في المقابل، ستتأثر الصناعات الصينية التي تعتمد على السوق الأمريكية، مثل الإلكترونيات والمنسوجات، بالرسوم الأمريكية المرتفعة، مما قد يدفع الشركات إلى البحث عن أسواق بديلة.
على الصعيد العالمي، حذر خبراء اقتصاديون من أن هذا التصعيد قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في كلا البلدين، مع تأثيرات متتالية على التضخم. وقال لي تشانغ، خبير اقتصادي في جامعة تسينغهوا في بكين: "الرسوم المتبادلة ليست مجرد أرقام، بل ستؤثر على حياة المستهلكين واستقرار الاقتصاد العالمي. نحن بحاجة إلى حوار عاجل لتجنب المزيد من الضرر."
لم تقتصر الرسوم الأمريكية على الصين وحدها، حيث شملت الإجراءات الأخيرة منتجات من عشرات الدول الأخرى، مع معدلات تتراوح بين 11% و84% حسب نوع السلع. وأثارت هذه السياسة قلق حلفاء الولايات المتحدة، مثل الاتحاد الأوروبي وكندا، اللذين دعوا إلى خفض التوترات وإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية.
في الوقت نفسه، أكدت الصين أنها "منفتحة على الحوار"، لكنها شددت على أن أي مفاوضات يجب أن تستند إلى "الاحترام المتبادل والمساواة". وفي خطاب ألقاه اليوم، قال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، لين جيان: "لن نقف مكتوفي الأيدي أمام الضغوط الأمريكية، لكننا نأمل أن تدرك واشنطن أن التعاون هو الخيار الوحيد المستدام."
مع دخول الرسوم الصينية الجديدة حيز التنفيذ غدًا، يترقب العالم رد الفعل الأمريكي المقبل. وتشير تقارير إلى أن إدارة ترامب تدرس فرض عقوبات إضافية على الشركات الصينية العاملة في القطاعات التكنولوجية، مما قد يوسع نطاق الصراع إلى ما هو أبعد من الرسوم الجمركية.
في الوقت الحالي، يبقى السؤال المركزي: هل ستتمكن القوتان الاقتصاديتان من إيجاد أرضية مشتركة لتجنب حرب تجارية شاملة، أم أن العالم يتجه نحو مزيد من الانقسام الاقتصادي؟ الإجابة قد تحدد مسار الاقتصاد العالمي لسنوات قادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق