في خطوة طموحة لإنعاش النسيج الاقتصادي المغربي، صادق مجلس الحكومة، يوم الخميس 10 أبريل 2025، على مشروع المرسوم رقم 2.25.342 الذي يهدف إلى تفعيل نظام دعم مخصص للمقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة. هذا القرار، الذي قدمه الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار كريم زيدان، يأتي لتعزيز دور هذه المقاولات التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، حيث تمثل أكثر من 90% من المقاولات المغربية وتساهم بحوالي 75% من مناصب الشغل القارة.
دعم موجه وطموح بغلاف مالي ضخم
يندرج المرسوم ضمن رؤية ميثاق الاستثمار الجديد (القانون-الإطار رقم 03.22)، الذي يسعى إلى رفع حصة الاستثمار الخاص إلى ثلثي الاستثمار الإجمالي بحلول 2035. ويستهدف المرسوم المشاريع الاستثمارية التي لا تتجاوز قيمتها 50 مليون درهم، مع تخصيص غلاف مالي سنوي يصل إلى 12 مليار درهم. ويقدم النظام ثلاث منح رئيسية تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي وخلق دينامية مستدامة:
- منحة خلق مناصب الشغل: تستهدف تشجيع المقاولات على توظيف المزيد من العاملين، خاصة الشباب والفئات الهشة، لتعزيز الاستقرار الاجتماعي ومكافحة البطالة.
- المنحة الترابية: تركز على دعم المقاولات في المناطق الأقل حظوظًا اقتصاديًا، بهدف تقليص الفوارق المجالية وتثبيت السكان في مناطقهم.
- منحة الأنشطة ذات الأولوية: تدعم القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا الرقمية، الصناعة، والطاقات المتجددة، لتعزيز القدرة التنافسية ومواكبة التحولات العالمية.
تُعد المقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة محركًا أساسيًا للاقتصاد المغربي. فهي، غالبًا، مشاريع عائلية أو ناشئة تقودها طاقات شابة تسعى لتحقيق الابتكار وخلق فرص العمل. هذه المقاولات لا تكتفي بخلق مناصب شغل، بل تسهم أيضًا في تحقيق العدالة الاجتماعية والترابية من خلال تواجدها في المناطق القروية والأقل تنمية. ومع ذلك، تواجه هذه المقاولات تحديات كبيرة، مثل صعوبة الوصول إلى التمويل، تعقيد الإجراءات الإدارية، ونقص البنية التحتية في بعض الجهات.
رغم الإشادة بالمرسوم كخطوة نوعية، يثير تطبيقه بعض التحديات التي قد تعيق تحقيق أهدافه. من أبرز هذه التحديات:
- توزيع الدعم: هناك مخاوف من أن تستحوذ المقاولات المتوسطة أو الكبرى نسبيًا، التي تمتلك قدرات إدارية أقوى، على الحصة الأكبر من الغلاف المالي، مما قد يترك المقاولات الصغيرة جدًا دون دعم كافٍ.
- البيروقراطية: ضعف البنية التحتية الإدارية وبطء الإجراءات قد يعيقان وصول الدعم إلى مستحقيه، خاصة في المناطق النائية.
- نقص المواكبة: الدعم المالي وحده لا يكفي. فغياب برامج تكوين فعالة لتزويد المقاولين بالمهارات الإدارية والتسويقية قد يهدد استدامة المشاريع المدعومة.
- الشفافية: يتطلب نجاح المبادرة آليات واضحة لضمان عدالة توزيع الدعم وتجنب أي شبهات للمحسوبية.
آفاق واعدة لريادة الأعمال
على الرغم من هذه التحديات، يحمل المرسوم إمكانيات كبيرة لتحويل المشهد الاقتصادي المغربي. فهو يعكس التزام الحكومة بتعزيز الحكامة الجهوية من خلال إشراك المراكز الجهوية للاستثمار، مما يضمن تنفيذًا أكثر فعالية. كما يفتح الباب أمام جيل جديد من رواد الأعمال لتحقيق أحلامهم، خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
لتحقيق النجاح، يتعين على الحكومة العمل على تبسيط الإجراءات الإدارية، تعزيز الشفافية في توزيع الدعم، وتوفير برامج مواكبة شاملة. إذا نجحت هذه المبادرة، فإنها ستمثل جسرًا حقيقيًا نحو اقتصاد مغربي أكثر عدالة وتنافسية، يقوم على طاقات شبابية مبتكرة ومشاريع محلية مستدامة.
يمثل المرسوم رقم 2.25.342 أملًا كبيرًا لآلاف المقاولين الشباب الذين يحلمون ببناء مستقبل أفضل. لكن التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ. فهل سيكون هذا المرسوم بداية لثورة اقتصادية حقيقية، أم سيبقى حبرًا على ورق؟ الإجابة تعتمد على مدى التزام الحكومة بتحقيق الشفافية والفعالية في تطبيق هذا البرنامج الطموح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق