تأشيرة شنغن بـ5000 درهم: كابوس المغاربة يبدأ من الموعد

تتصاعد أزمة غير مسبوقة تعصف بحلم "شنغن". وسطاء، يُطلق عليهم "سماسرة المواعيد"، يسيطرون على نظام حجز مواعيد تقديم طلبات التأشيرات، مستغلين الطلب المتزايد والثغرات التقنية في المنصات الإلكترونية، ليحولوا العملية إلى سوق سوداء تحصد أرباحًا طائلة على حساب المواطنين
في الوقت الذي يتطلع فيه آلاف المغاربة إلى السفر إلى أوروبا للدراسة، العمل، أو حتى العلاج، تتصاعد أزمة غير مسبوقة تعصف بحلم "شنغن". وسطاء، يُطلق عليهم "سماسرة المواعيد"، يسيطرون على نظام حجز مواعيد تقديم طلبات التأشيرات، مستغلين الطلب المتزايد والثغرات التقنية في المنصات الإلكترونية، ليحولوا العملية إلى سوق سوداء تحصد أرباحًا طائلة على حساب المواطنين. فما القصة الكاملة وراء هذه الأزمة؟ ولماذا عجزت الحكومات عن وضع حد لها حتى الآن؟

بداية الأزمة: من نقص المواعيد إلى السمسرة المنظمة


بدأت المشكلة تظهر بوضوح بعد جائحة كورونا، عندما ارتفع الطلب على تأشيرات شنغن بشكل غير مسبوق. في عام 2022، تلقى الاتحاد الأوروبي 7.3 مليون طلب تأشيرة، ارتفع إلى 10 ملايين في 2023، وفقًا لإحصاءات المفوضية الأوروبية. في المغرب، أحد أكبر الأسواق المتقدمة لهذه التأشيرات، لم تتمكن القنصليات من مواكبة هذا الطلب بسبب نقص الموظفين ومحدودية المواعيد المتاحة على منصات مثل VFS Global وTLScontact.

هنا دخل الوسطاء على الخط. باستخدام برمجيات متطورة تُعرف بـ"البوتات"، يتمكن هؤلاء من حجز عشرات المواعيد فور فتحها، ليبيعوها لاحقًا بأسعار خيالية. في مدن مثل الدار البيضاء، وصل سعر الموعد الواحد إلى 5000 درهم، بينما يتراوح في طنجة والرباط بين 700 و1000 درهم، حسب تقرير نشرته "بي بي سي عربي" في يوليو 2024. هذا السعر لا يشمل رسوم التأشيرة نفسها، التي زادت في يونيو 2024 من 800 إلى 900 درهم للبالغين.

حكايات من الواقع: ضحايا السوق السوداء


عادل، طالب مغربي يبلغ من العمر 24 عامًا، كان يخطط للسفر إلى فرنسا لاستكمال دراسته في الهندسة. لكنه واجه كابوسًا لم يتوقعه. "حاولت لأسابيع حجز موعد عبر المنصة الرسمية، لكن كل المواعيد كانت محجوزة. اضطررت لدفع 2000 درهم لوسيط لضمان موعد قبل انتهاء مهلة قبولي الجامعي"، يروي عادل لنا في مقابلة حصرية. تجربته ليست استثناءً، بل أصبحت القاعدة لآلاف المتقدمين.

من جانبها، فاطمة، أم لطفل مريض، اضطرت للسفر إلى تونس لحجز موعد من هناك بعد أن فشلت في العثور على موعد في المغرب. "كلفتني الرحلة أكثر من 7000 درهم، بما في ذلك السفر والوسيط. كان الأمر مذلاً، لكن لم يكن أمامي خيار"، تقول بحسرة.

كيف يعمل الوسطاء؟


التحقيقات تكشف أن الوسطاء يعتمدون على شبكات منظمة تشمل مبرمجين تقنيين ووسطاء ميدانيين. البرمجيات التي يستخدمونها تتيح لهم مراقبة المنصات الإلكترونية والاستيلاء على المواعيد في غضون ثوانٍ من إتاحتها. "إنهم يتصرفون كما لو كانوا وكلاء سفر غير شرعيين"، يقول محمد الصغير، خبير تقني مغربي تحدث إلينا حصريًا. "بعضهم يستخدم خوادم خارجية لتجاوز القيود الجغرافية، مما يجعل من الصعب تتبعهم."

أما على الأرض، فإن الوسطاء يتواصلون مع المتقدمين عبر مجموعات واتساب وتيليغرام، حيث يعرضون خدماتهم بأسعار تختلف حسب المدينة والإلحاح. في بعض الحالات، يتم الدفع نقدًا أو عبر تطبيقات مثل "إينوي كاش"، مما يصعب تتبع المعاملات.

ردود الفعل الرسمية: خطوات مترددة


في نوفمبر 2024، أعلن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، عن تعاون مع بعثات الاتحاد الأوروبي للقضاء على هذه الممارسات. لكن، حتى الآن، لم تُكشف تفاصيل هذه الخطة، ولم يلاحظ المتقدمون تحسنًا ملموسًا. مصدر دبلوماسي مغربي، تحدث لنا شريطة عدم الكشف عن هويته، أكد أن "المفاوضات جارية مع السفارات الأوروبية لزيادة عدد المواعيد، لكن القرار النهائي يعود لهم".

من جانبها، حاولت شركتا VFS Global وTLScontact تطبيق إجراءات تقنية مثل كلمات المرور لمرة واحدة والتحقق من الهوية، لكن الوسطاء تمكنوا من التحايل عليها. "نحن نعمل على تحسين النظام، لكن المشكلة تتطلب تعاونًا أوسع"، يقول متحدث باسم TLScontact في بيان رسمي.

على المستوى الأوروبي، خطة الاتحاد لإطلاق منصة رقمية موحدة لطلبات التأشيرات (EU VAP) بحلول 2031 تبدو واعدة، لكنها بعيدة المنال. "حتى ذلك الحين، سيظل المواطنون عرضة للاستغلال"، يحذر عبد الرحيم بنعيسى، ناشط في جمعية حماية المستهلك بالمغرب.

تحليل حصري: لماذا تفشل الحلول؟


الأزمة ليست مجرد مشكلة تقنية، بل تعكس فجوة أعمق بين الطلب والعرض. زيادة الرسوم في يونيو 2024، التي هدفت إلى تمويل تحسين الخدمات، لم تترجم إلى مواعيد أكثر أو موظفين إضافيين في القنصليات. "المشكلة ليست في المال، بل في الإرادة السياسية"، يقول بنعيسى. "الدول الأوروبية تستفيد من الرسوم، لكنها لا تستثمر بما يكفي لتلبية الطلب في دول مثل المغرب."

علاوة على ذلك، يرى خبراء أن غياب التنسيق بين الحكومة المغربية والسفارات الأوروبية يفاقم الوضع. "لو تم تخصيص مواعيد خاصة لحالات الطوارئ مثل العلاج أو الدراسة، لخف الضغط على النظام"، يقترح الصغير.

تأثير بعيد المدى: أحلام مؤجلة وخسائر اقتصادية


الأزمة لا تقتصر على المتقدمين، بل تمتد إلى الاقتصاد المغربي. الطلاب الذين يفشلون في السفر في الوقت المناسب يخسرون منحًا دراسية، بينما يؤخر المرضى علاجهم، مما يزيد من معاناتهم. "هذا يضر بصورة المغرب كدولة تسعى لتعزيز علاقاتها مع أوروبا"، يحذر المصدر الدبلوماسي.

مع استمرار الأزمة، تتزايد الدعوات لتدخل حاسم. جمعيات المستهلك تطالب بتجريم السمسرة رسميًا، مع فرض عقوبات على الوسطاء. في المقابل، يرى البعض أن الحل يكمن في يد الاتحاد الأوروبي، الذي يجب أن يعيد النظر في سياساته القنصلية.

في الوقت الحالي، يبقى المواطن المغربي رهينة هذا النظام المعطل، بين مطرقة الوسطاء وسندان البيروقراطية. "كل ما أريده هو فرصة عادلة لتحقيق حلمي"، يختم عادل حديثه، وهو شعور يتردد صداه في قلوب الآلاف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق