الصين تُطلق شبكة 10G في شيونغان: قفزة تكنولوجية أم جزء من سباق عالمي؟

الصين تُطلق شبكة 10G في شيونغان: قفزة تكنولوجية أم جزء من سباق عالمي؟ شبكة الإنترنت فائقة السرعة في مدينة شيونغان الجديدة تثير الجدل حول ريادة الصين في البنية التحتية الرقمية.













شبكة الإنترنت فائقة السرعة في مدينة شيونغان الجديدة تثير الجدل حول ريادة الصين في البنية التحتية الرقمية.

في خطوة طموحة تعزز مكانتها في السباق التكنولوجي العالمي، أطلقت الصين شبكة إنترنت عريض النطاق بسرعة 10 جيجابايت في الثانية في مدينة شيونغان الجديدة، بالتعاون بين عملاقي التكنولوجيا "هواوي" و"تشاينا يونيكوم". هذه الشبكة، التي تستخدم تقنية 50G-PON المتطورة، تتيح تنزيل فيلم بدقة 8K في أقل من 72 ثانية، وتدعم تطبيقات مستقبلية مثل السيارات ذاتية القيادة، الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز.

لكن الادعاء بأنها "أول شبكة 10G في العالم" أثار جدلاً، إذ تشير تقارير إلى أن دولاً مثل الولايات المتحدة واليابان سبق أن نفذت تجارب مماثلة. فما الذي يجعل هذا المشروع مميزاً؟ وكيف يعكس طموحات الصين لقيادة مستقبل الإنترنت؟ هذا المقال يكشف تفاصيل الشبكة، أهميتها الاستراتيجية، وتأثيراتها المحتملة.

شبكة 10G: ما الذي تقدمه؟


في أبريل 2025، أصبحت شيونغان أول مدينة صينية تطلق شبكة إنترنت بسرعة 9834 ميجابت/ثانية للتنزيل و1008 ميجابت/ثانية للرفع، مع زمن تأخير منخفض يبلغ 3 ميللي ثانية. تعتمد الشبكة على تقنية الشبكة البصرية السلبية (50G-PON)، التي تُحسّن كفاءة نقل البيانات عبر الألياف البصرية الحالية، مما يقلل تكاليف الترقية. هذه السرعات تتيح تحميل فيلم بدقة 4K (20 جيجابايت) في أقل من 20 ثانية، أو فيلم 8K (90 جيجابايت) في حوالي 72 ثانية، مقارنة بدقائق على شبكات 1 جيجابت/ثانية.

صُممت الشبكة لتكون العمود الفقري لمدينة شيونغان الذكية، وهي مدينة جديدة تهدف إلى أن تكون نموذجاً للابتكار. تدعم الشبكة تطبيقات مثل الألعاب السحابية، الفيديوهات فائقة الدقة، وأنظمة إنترنت الأشياء التي تتحكم بحركة المرور والخدمات العامة. لكن تحديات مثل تكاليف الاشتراك ونقص التطبيقات التي تتطلب هذه السرعات قد تحد من تبني المستخدمين في المرحلة الأولية. فهل يحتاج المستخدم العادي لهذه القدرات اليوم؟ الإجابة تعتمد على مدى سرعة تطور التطبيقات المستقبلية.

هل هي الأولى عالميًا؟


على الرغم من الترويج الإعلامي لشبكة شيونغان كـ"أول شبكة 10G في العالم"، إلا أن هذا الادعاء غير دقيق. دول مثل الولايات المتحدة، حيث تقدم شركات مثل Comcast Xfinity خدمات 10G في مناطق محددة، واليابان وكوريا الجنوبية، نفذت شبكات مماثلة منذ سنوات، وإن كانت في نطاقات تجارية محدودة أو بتقنيات مختلفة. على سبيل المثال، شبكات 10G في الغرب تُركز على النطاق العريض المنزلي، بينما مشروع شيونغان يهدف إلى دعم بنية تحتية لمدينة ذكية بأكملها.

ومع ذلك، يبقى المشروع الصيني مميزاً بحجمه وطموحه. فهو جزء من خطة وطنية لتوسيع شبكات 10G إلى 168 منطقة في الصين، بما في ذلك مدن مثل شنغهاي وبكين. مقارنة بالدول الأخرى، تتفوق الصين على الإمارات (543 ميجابت/ثانية) وقطر (521 ميجابت/ثانية) بعشرة أضعاف، بينما تتجاوز سنغافورة (345.3 ميجابت/ثانية) بفارق كبير. هذا يعكس تفوق الصين في البنية التحتية، لكن السباق العالمي للريادة التكنولوجية لا يزال مفتوحاً.

شيونغان: مركز الابتكار الصيني


تُعد شيونغان، التي أُسست عام 2017 على بُعد 70 ميلاً من بكين، رؤية الرئيس شي جين بينغ لمدينة المستقبل. تهدف المدينة إلى أن تكون مركزاً للذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، والسيارات ذاتية القيادة. شبكة 10G هي حجر الأساس في هذه الرؤية، إذ تدعم تقنيات مثل إدارة حركة المرور الذكية، المراقبة في الوقت الفعلي، والتطبيقات الغامرة مثل الواقع الافتراضي.

المشروع جزء من مبادرة وطنية أطلقتها وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية في يناير 2025، والتي تشمل تجارب مماثلة في مدن مثل غواندونغ وشنغهاي. استراتيجياً، تعزز الشبكة مكانة الصين في مواجهة الدول الغربية، التي لا تزال تركز على توسيع شبكات 5G. لكن التحديات قائمة: شيونغان واجهت انتقادات كـ"مدينة أشباح" بسبب انخفاض معدل السكان والاستثمارات. نجاح الشبكة يعتمد على جذب الشركات والسكان، إلى جانب خفض تكاليف الاشتراك لضمان انتشار واسع.

شبكة 10G قد تحدث ثورة في الصناعات التي تعتمد على البيانات، مثل التصنيع الذكي، الطب عن بُعد، والتعليم الافتراضي. فهي تدعم معالجة كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي، مما يعزز تطبيقات مثل النماذج اللغوية الكبيرة والألعاب السحابية. اقتصادياً، قد تجذب الشبكة استثمارات أجنبية إلى شيونغان وتعزز الإنتاجية في القطاعات التقنية.

على الصعيد العالمي، إطلاق الشبكة قد يدفع دولاً مثل الولايات المتحدة وأوروبا لتسريع تطوير شبكات مماثلة. الصين، التي تستثمر بالفعل في أبحاث 6G، تبدو في صدارة السباق، لكن شبكة 10G قد تكون خطوة انتقالية نحو مستقبل أكثر تقدماً. ومع ذلك، التكاليف المرتفعة ونقص التطبيقات الملائمة قد يحد من تأثيرها على المدى القصير، خاصة إذا ظلت شيونغان دون الكثافة السكانية المطلوبة.

إطلاق شبكة 10G في شيونغان يعكس طموح الصين لقيادة الابتكار التكنولوجي، لكنه ليس الأول عالمياً كما يُروَّج. المشروع يضع معياراً جديداً للمدن الذكية، لكنه يواجه تحديات مثل التبني وتكاليف التشغيل. مع خطط التوسع الوطني واستثمارات في 6G، تثبت الصين أنها لاعب رئيسي في مستقبل الإنترنت. لكن السؤال يبقى: هل ستتمكن شيونغان من تحقيق الرؤية المرسومة لها كمركز ابتكار عالمي؟ الإجابة تعتمد على قدرتها على جذب الاستثمار والسكان، وتحويل الطموح إلى واقع ملموس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق