شهدت العاصمة المغربية الرباط اليوم حدثًا بارزًا يعزز مكانة المغرب كمركز للتحديث والتنمية الإقليمية، حيث أشرف الملك محمد السادس على إطلاق أشغال إنجاز الخط السككي فائق السرعة (LGV) الذي سيربط بين مدينتي القنيطرة ومراكش. يأتي هذا المشروع الاستراتيجي في إطار رؤية المملكة الطموحة لتطوير البنية التحتية للنقل، وتعزيز التواصل بين المناطق الشمالية والجنوبية، تمهيدًا لاستضافة نهائيات كأس العالم 2030.
مشروع ربط الشمال بالجنوب
يمتد الخط الجديد فائق السرعة، الذي يُعد امتدادًا لمشروع قطار "البراق" الرابط بين طنجة والدار البيضاء، ليغطي مسافة إضافية تربط القنيطرة بمراكش عبر الدار البيضاء. ويُتوقع أن يُحدث هذا المشروع نقلة نوعية في منظومة النقل الوطنية، من خلال تقليص زمن السفر بين المدن الرئيسية، مما يعزز التنقل السلس للمواطنين ويدعم القطاعات الاقتصادية والسياحية.
ويُشكل المشروع جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز الربط السككي الوطني، حيث سيُسهم في تقوية الروابط بين المناطق الحيوية في المغرب، وتسهيل حركة البضائع والأفراد. كما يعكس التزام المملكة بالاستثمار في بنية تحتية متطورة تتماشى مع المعايير الدولية، مما يدعم طموح المغرب ليكون مركزًا إقليميًا للنقل واللوجستيات.
استعدادات مكثفة وأمن مشدد
سبق حفل الإطلاق استعدادات مكثفة بدأت منذ يوم الثلاثاء 22 أبريل 2025، حيث شهد محيط محطة القطار أكدال بالرباط تعزيزات أمنية كبيرة، مع انتشار واسع للقوات الأمنية وتطويق المنطقة بحواجز حديدية لضمان سير الحدث بسلاسة. هذه الترتيبات عكست الأهمية الاستثنائية التي توليها السلطات لهذا المشروع، الذي يُعد ركيزة أساسية في مسار التحديث الوطني.
تفاصيل المشروع والشراكة الفرنسية
تولت شركة "كولاس أمبارك" الفرنسية، المتخصصة في البنية التحتية والسكك الحديدية، تنفيذ هذا المشروع الضخم بقيمة إجمالية تتجاوز 430 مليون يورو. وتشمل الأعمال الموكلة للشركة ثلاث حزم رئيسية:
- الحزمة الأولى: تتعلق بأعمال البنية التحتية والهندسة المدنية على الخطوط القائمة، بقيمة 50 مليون يورو، وتشمل تطوير الأنظمة الأساسية لضمان استدامة الخط وكفاءته.
- الحزمة الثانية (الشمالية): تشرف عليها شركة "كولاس ريل"، وتتضمن تصميم وتطوير السكك الحديدية، إلى جانب إنشاء الخطوط الكهربائية العلوية والمحطات الفرعية، بتكلفة تصل إلى 200 مليون يورو.
- الحزمة الثالثة: ينفذها فرع الشركة بالمغرب "الأشغال الكبرى الطرقية" (GTR)، وتتعلق بأعمال الهندسة المدنية بقيمة 180 مليون يورو، مع التركيز على إنشاء بنية تحتية متينة تدعم السرعات العالية.
وتُعد هذه الشراكة مع "كولاس أمبارك" خطوة إستراتيجية تعكس ثقة المغرب في الكفاءات الدولية، مع إشراك الخبرات المحلية من خلال الفرع المغربي للشركة، مما يعزز نقل التكنولوجيا وتطوير القدرات الوطنية.
يُتوقع أن يُسهم الخط السككي الجديد في تحفيز الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة خلال فترة الإنشاء، إلى جانب تعزيز القطاعات السياحية والتجارية في المناطق التي سيمر بها الخط. ومع تقليص زمن السفر بين مراكش، الوجهة السياحية العالمية، والمدن الشمالية، سيصبح بإمكان السياح والمستثمرين التنقل بسهولة أكبر، مما يدعم مكانة المغرب كوجهة جاذبة.
كما يُشكل المشروع إحدى الركائز الأساسية في التحضير لاستضافة كأس العالم 2030، حيث سيوفر بنية تحتية متطورة تلبي احتياجات الزوار والمنتخبات المشاركة، مع تعزيز الكفاءة اللوجستية خلال هذا الحدث العالمي.
يُجسد إطلاق هذا المشروع رؤية المغرب الطموحة لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، حيث يُبرز التزام المملكة بالاستثمار في مشاريع ذات أثر طويل الأمد. ومع استكمال هذا الخط، سيصبح المغرب من بين الدول القليلة في إفريقيا التي تمتلك شبكة متطورة للقطارات فائقة السرعة، مما يعزز مكانته كقائد إقليمي في مجال النقل والتنمية.
ويُنتظر أن يُحدث هذا المشروع تحولًا عميقًا في تجربة التنقل داخل المغرب، مع توفير خيارات نقل آمنة وسريعة وصديقة للبيئة، مما يعكس التزام المملكة بمواكبة التحولات العالمية في قطاع النقل المستدام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق